للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْجُبُ أَبَاهُ بِأَنَّهُ عَاصِبٌ أَوْلَى مِنْهُ، وَالْجَدَّةُ لَا تَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ إنَّمَا تَرِثُ بِالسَّهْمِ، فَبَابُهُ غَيْرُ بَابِهَا.

ثُمَّ يُعَارَضُونَ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: كَمَا لَا تُحْجَبُ الْأُمُّ كَذَلِكَ لَا تُحْجَبُ الْجَدَّةُ، وَكَمَا لَا تُحْجَبُ أُمُّ الْأُمِّ كَذَلِكَ لَا تُحْجَبُ أُمُّ نَفْسِهِ.

وَقَالُوا: كَمَا تَحْجُبُ الْأُمُّ أُمَّهَا كَذَلِكَ يَحْجُبُ الْأَبُ أُمَّهُ؟ قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْأُمَّ إنَّمَا حَجَبَتْ أُمَّهَا لِأَنَّهَا أُمٌّ أَقْرَبُ مِنْهَا، وَلَيْسَ الْأَبُ كَذَلِكَ.

ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: كَمَا لَا تَحْجُبُ الْأُمُّ الْجَدَّ - وَإِنَّمَا تَحْجُبُ الْجَدَّاتِ - كَذَلِكَ لَا يَحْجُبُ الْأَبُ الْجَدَّاتِ، وَإِنَّمَا يَحْجُبُ الْجَدَّ فَقَطْ.

وَقَالُوا: حَجَبَهَا الَّذِي تُدْلِي بِهِ - وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَقَدْ وَجَدْنَا الْجَدَّةَ مِنْ الْأَبِ يَكُونُ الْأَبُ عَبْدًا فَلَا يَحْجُبُهَا عِنْدَهُمْ وَهِيَ تُدْلِي بِهِ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا يَحْجُبُهَا إذَا وَرِثَ؟ قُلْنَا: هَذِهِ زِيَادَةٌ لَمْ يُوجِبْهَا بُرْهَانُ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ، فَهِيَ لَا شَيْءَ، إنَّمَا هِيَ دَعْوَى لَا نُوَافِقُكُمْ عَلَيْهَا، فَهِيَ سَاقِطَةٌ مَا لَمْ يُوجِبْهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ.

وَقَالُوا: مِيرَاثُهَا مَعَ وُجُودِ الْأَب مُخْتَلَفٌ فِيهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، فَإِنْ لَمْ يُوجِبْ مِيرَاثَهَا بُرْهَانٌ، وَإِلَّا فَلَا مِيرَاثَ لَهَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ، إذْ لَا بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَبَقِيَ أَنْ نُثْبِتَ صِحَّةَ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ فَنَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَدْ جَاءَ نَصُّ الْقُرْآنِ بِإِيجَابِ مِيرَاثِ الْأَبَوَيْنِ سَوَاءً، فَوَجَبَ بِالْقُرْآنِ مِيرَاثُ الْأَبِ وَالْجَدِّ، وَأَبِي الْجَدِّ، وَجَدِّ الْجَدِّ مَعَ الْأُمِّ، لِأَنَّهُمْ أَبَوَانِ، وَوَجَبَ مِيرَاثُ الْجَدَّةِ مَعَ الْجَدَّةِ كَمَا قُلْنَا، وَمَعَ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُمَا أَبَوَانِ، فَلَيْسَ مِيرَاثُ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ مِيرَاثِ الْأُمِّ وَأُمُّهَا أُمُّهُ - وَهَذَا نَصٌّ لَا يَسَعُ خِلَافُهُ.

وَكَتَبَ إلَيَّ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّبْرِيزِيُّ نا أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ اللَّبَّانِ نا أَحْمَدُ بْنُ كَامِلِ بْنِ شَجَرَةَ الْقَاضِي نا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>