للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كُلُّهُ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةٌ مُنْقَطِعَةٌ، أَيْنَ الشَّعْبِيُّ مِنْ عُمَرَ؟ وَاَللَّهِ مَا وُلِدَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِأَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ - ثُمَّ إنَّهَا رِوَايَةٌ بَاطِلَةٌ بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّ مُخَالَفَةَ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ، وَلَيْسَ تَعْظِيمُهُ إيَّاهُ بِمُوجِبٍ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ -: وَأَوَّلُ ذَلِكَ: الْخَبَرُ الَّذِي أَوْرَدْنَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ لَهُ عُمَرُ: إنِّي قَدْ رَأَيْت فِي الْجَدِّ رَأْيًا، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: إنْ نَتَّبِعْ رَأْيَك فَإِنَّهُ رَأْيُ رُشْدٍ، وَإِنْ نَتَّبِعْ رَأْيَ الشَّيْخِ قَبْلَك، فَنِعْمَ ذَوِي الرَّأْيِ كَانَ قَالَ عُثْمَانُ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَجْعَلُهُ أَبًا فَاعْجَبُوا لِهَذَا الْعَمَى، وَلِعِبَادَةِ الْهَوَى وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْكَذِبِ، وَانْظُرُوا هَلْ يَحْتَمِلُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ عُثْمَانَ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجْعَلُ الْجَدَّ أَبًا فِي الْمِيرَاثِ.

وَقَدْ صَحَّ خِلَافُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي " الْكَلَالَةِ " نَفْسِهَا، وَفِي تَرْكِ الِاسْتِخْلَافِ وَفِي قَضَايَا كَثِيرَةٍ جِدًّا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ مَا قَالَ لَكَانَ لَمْ يُخَالِفْهُ عُمَرُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ: الْقَوْلُ بِأَنَّ الْجَدَّ أَبٌ فِي الْمِيرَاثِ كَمَا أَوْرَدْنَا، فَلَمْ يُخَالِفْ أَبَا بَكْرٍ إذَا وَافَقَهُ فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ آخِرُ قَوْلٍ قَالَهُ - وَإِلَيْهِ رَجَعَ كَمَا أَوْرَدْنَا، فَهُوَ أَوَّلُ أَقْوَالِ عُمَرَ وَآخِرُ أَقْوَالِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمِنْ بَرَاهِينِنَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ مِيرَاثَ الْإِخْوَةِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا مِيرَاثَ الْأَخَوَاتِ إلَّا فِي آيَتَيْ " الْكَلَالَةِ " فَوَجَبَ ضَرُورَةً بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنْ لَا يَرِثَ أَخٌ، وَلَا أُخْتٌ، إلَّا فِي مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ، وَوَجَبَ أَنْ لَا يُؤْخَذَ مِيرَاثُ الْكَلَالَةِ، إلَّا مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ رَاجِعٍ إلَى النَّصِّ -: فَوَجَدْنَا مَنْ وَرِثَهُ إخْوَةٌ ذُكُورٌ أَوْ إنَاثٌ، أَوْ كِلَاهُمَا - أَشِقَّاءُ، أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ - وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ ذَكَرٌ، وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ ذَكَرٌ، وَلَا ابْنَةٌ، وَلَا أَبٌ، وَجَدٌّ لِأَبٍ، فَإِنَّهُ إجْمَاعٌ مَقْطُوعٌ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، عَلَى أَنَّهُ مِيرَاثُ كَلَالَةٍ.

وَوَجَدْنَا السَّلَفَ مُخْتَلِفِينَ - إذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا - فَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ مِيرَاثُ كَلَالَةٍ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَيْسَ مِيرَاثَ كَلَالَةٍ، فَوَجَبَ الِانْقِيَادُ لِلْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ، وَتَرْكُ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ، إذْ لَا نَصَّ عِنْدَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ لَا مِيرَاثَ أَلْبَتَّةَ لِأَخٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>