للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عَلِيٌّ: وَقَوْلُهُ هَذَا فَاسِدٌ.

قَالَ: وَمَنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِسُكْنَى دَارِهِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا سَكَنَ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الدَّارِ وَسَكَنَ الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهَا، وَلَا أَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ، وَلَا أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ ذَلِكَ الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، فَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ إلَى بَلَدِهِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ عَهْدَ الْمَيِّتِ فِي الْوَصِيَّةِ بِسُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ، فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إلَّا سُكْنَى ثُلُثِهَا فَقَطْ، وَقِيمَةُ سُكْنَى ثُلُثِ الدَّارِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ الْمَيِّتِ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الدَّارِ مَالٌ تَخَلَّفَهُ، فَإِذْ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُ جَائِزَةٌ، فَهَلَّا أَنْفَذَ لَهُ جَمِيعَهَا لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ بِلَا شَكٍّ.

وَأَيْضًا: فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَبَيْنَ رَحِيلِهِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لِلْمُوصِي فَلِلْمُوصَى لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ هُوَ لِلْمُوصِي فَالْوَصِيَّةُ بِخِدْمَتِهِ بَاطِلٌ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَمَنْ أَوْصَى بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ لِزَيْدٍ وَفِيهِ غَلَّةٌ ظَاهِرَةٌ إذْ مَاتَ الْمُوصِي فَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ إلَّا تِلْكَ الْغَلَّةُ بِعَيْنِهَا فَقَطْ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا غَلَّةٌ إذْ مَاتَ فَلَهُ ثُلُثُهَا أَبَدًا مَا عَاشَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ أَيْضًا، وَفَرْقٌ بِلَا بُرْهَانٍ، وَهَلَّا جَعَلُوا لَهُ أَوَّلَ غَلَّةٍ تَظْهَرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَقَطْ، ثُمَّ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ كَمَا قَالُوا فِي الْغَلَّةِ الظَّاهِرَةِ.

فَإِنْ قَالُوا: حَمَلْنَا ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَهَلَّا حَمَلْتُمْ وَصِيَّتَهُ أَيْضًا عَلَى الْعُمُومِ إذَا مَاتَ وَفِي الْبُسْتَانِ غَلَّةٌ وَلَوْ أَنَّ عَاكِسًا عَكَسَ قَوْلَهُمْ فَأَعْطَاهُ غَلَّةَ الْبُسْتَانِ أَبَدًا إذَا مَاتَ وَفِيهِ غَلَّةٌ ظَاهِرَةٌ، وَلَمْ يُعْطِهِ إذَا مَاتَ وَلَا غَلَّةَ فِي الْبُسْتَانِ إلَّا أَوَّلُ غَلَّةٍ تَظْهَرُ: مَا كَانَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِالْبَاطِلِ فَرْقٌ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِسُكْنَى الدَّارِ وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ، إذَا أَوْصَى بِهِ لِإِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ - قَالَ: فَلَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ: لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.

قَالَ عَلِيٌّ: لَيْسَ فِي الْمُصِيبَةِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ إنْ أَوْصَى لِكَافِرٍ أَوْ لِفَاسِقٍ: جَازَ، فَإِنْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَجُزْ - أُفٍّ لِهَذَا الْقَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>