فَإِنْ قَالُوا: يُعْتَقُ وَلَا بُدَّ؟ قُلْنَا: وَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ.
فَإِنْ قَالُوا: قِيَاسًا عَلَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي افْتِرَاقِ حُكْمِ الْمَرْءِ فِي نَفْسِهِ، وَحُكْمِهِ فِي ذَوِي رَحِمِهِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِي نَفْسِهِ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ فِي ذَوِي رَحِمِهِ، فَلِلْمَرْءِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ ذَا رَحِمِهِ لِلْخِدْمَةِ - فَبَطَلَ هَذَا الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
ثُمَّ لَوْ وَجَبَ عِتْقُهُ بِذَلِكَ لَكَانَ بِلَا شَكٍّ إذْ مَلَكَ رِقَّ نَفْسِهِ فَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ سَيِّدِهِ عَنْهُ جُمْلَةً، وَصَارَ الْعَبْدُ هُوَ الْمُعْتِقُ لِنَفْسِهِ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .
فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ فِي ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَلَاؤُهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أُعْتِقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ.
وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يُعْتَقُ بِذَلِكَ؟ لَزِمَكُمْ أَنْ تُجِيزُوا لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ، وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَذَا - فَوَضَحَ تَنَاقُضُ قَوْلِكُمْ وَفَسَادُهُ بِلَا شَكٍّ -.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُصَوِّبًا لَهُ أَنَّهُ: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: ٢٥]
قُلْنَا: صَدَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَدَقَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَكَذَبَ مَنْ يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ إنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَعْنِ قَطُّ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ وَبِضَرُورَةِ الْحِسِّ مِلْكَ رِقِّ نَفْسِهِ وَرِقِّ أَخِيهِ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -، وَمَنْ قَالَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ وَسَخُفَ وَتَوَقَّحَ مَا شَاءَ، وَإِنَّمَا عَنَى بِلَا شَكٍّ وَلَا خِلَافٍ: مِلْكَ التَّصَرُّفِ فِي أَمْرِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ - وَهَذَا حَقٌّ لَا يُنْكِرُهُ ذُو عَقْلٍ، فَمَنْ أَضْعَفُ قَوْلًا وَأَفْحَشُ جَهْلًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِآيَةٍ فِي خِلَافِ نَصِّهَا وَمَعْنَاهَا، إنَّ هَذَا لَأَمْرٌ عَظِيمٌ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ.
فَإِذْ قَدْ بَطَلَ أَنْ يَمْلِكَ أَحَدٌ رِقَّ نَفْسِهِ فَقَدْ بَطَلَ تَمْلِيكُهُ ذَلِكَ، وَإِذْ بَطَلَ تَمْلِيكُهُ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute