للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مُحَابَاةُ النَّصْرَانِيِّ فِي بَيْعِ ثَوْبٍ حَرِيرٍ، أَوْ لِخَلِيعٍ مَاجِنٍ فِي بَيْعِ تُفَّاحٍ لِنَقْلِهِ: أَوْكَدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي ثُغُورٍ مُهِمَّةٍ، وَمِنْ فَكِّ مُسْلِمٍ فَاضِلٍ، أَوْ مُسْلِمَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ صِغَارٍ مُسْلِمِينَ مِنْ أَسْرِ الْعَدُوِّ، وَنَخَافُ عَلَيْهِمْ الْفِتْنَةَ فِي الدِّينِ، وَالْفَضِيحَةَ فِي النَّفْسِ، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ مَا مِثْلُهُ عَجَبٌ؟ وَدَعَاوَى فَاحِشَةٌ مَفْضُوحَةٌ بِالْكَذِبِ؟ فَإِنْ قَالُوا: الْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ قَدْ اسْتَحَقَّهُ الْمُعْتَقُ، وَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ؟ قُلْنَا: فَإِنْ كَانَا قَدْ اسْتَحَقَّاهُ فَلِمَ تَرُدَّانِهِمَا إلَى الثُّلُثِ إذًا، وَمَا هَذَا التَّخْلِيطُ؟ تَارَةً يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ، وَتَارَةً لَا يَسْتَحِقُّ - وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ فِي فَسَادِ تِلْكَ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ النِّهَايَةُ فِي الْفَسَادِ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَخْلِيصِهِ إيَّانَا مِنْ الْحُكْمِ بِهَا فِي دِينِهِ، وَعَلَى عِبَادِهِ.

وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْعِتْقِ جُمْلَةً عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا؟ وَهُوَ قَوْلُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَقَوْلُ سُفْيَانَ، وَإِسْحَاقَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ: «وَمَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ مِنْ النَّارِ، حَتَّى فَرْجُهُ بِفَرْجِهِ» .

وَقَالُوا: مِنْ الدَّلِيلِ عَلَى تَأْكِيدِ الْعِتْقِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْفَذَ عِتْقَ الشَّرِيكِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ» - وَذَكَرُوا خَبَرًا رَوَاهُ بِشْرُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي عَنْ حَيْوَةِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُبْدَأَ بِالْعَتَاقِ فِي الْوَصِيَّةِ؟ وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَهُوَ صَاحِبٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟ وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْعِتْقُ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَنَّ امْرَأً أَعْتَقَ عَبْدَ غَيْرِهِ وَبَاعَهُ آخَرُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ السَّيِّدَ، فَأَجَازَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، أَنَّهُ يَجُوزُ الْعِتْقُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ - وَلَوْ أَنَّ امْرَأً وَكَّلَ رَجُلًا بِعِتْقِ عَبْدِهِ، وَوَكَّلَ آخَرَ بِبَيْعِهِ فَوَقَعَ الْبَيْعُ وَالْعِتْقُ مِنْ الْوَكِيلِينَ مَعًا: أَنَّ الْعِتْقَ نَافِذٌ، وَالْبَيْعَ بَاطِلٌ؟ قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا هَاتَانِ الْقَضِيَّتَانِ - فَهُوَ نَصْرٌ مِنْهُمْ لِلْخَطَأِ بِالضَّلَالِ، وَلِلْوَهْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>