للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الطَّرِيقُ الْأُخْرَى، فَالْقَاسِمُ بْنُ عِيسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ الطَّائِيُّ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ.

ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ: أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا أَبُو كَامِلٍ نا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، قَالَ: إنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدِمَ الْيَمَنَ فَاخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي أَسَدٍ سَقَطَ فِي بِئْرٍ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ إلَيْهَا، فَسَقَطَ فِيهَا رَجُلٌ فَتَعَلَّقَ بِآخَرَ؛ وَتَعَلَّقَ الْآخَرُ بِثَالِثٍ وَتَعَلَّقَ الثَّالِثُ بِرَابِعٍ فَسَقَطُوا كُلُّهُمْ، فَطُلِبَتْ دِيَاتُهُمْ مِنْ الْأَوَّلِ، فَقَضَى فِي ذَلِكَ بِدِيَتَيْنِ وَسُدُسٍ عَلَى مَنْ حَضَرَ الْبِئْرَ مِنْ النَّاسِ: فَلِلْأَوَّلِ رُبْعُ دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ ثَلَاثَةٌ، وَلِلثَّانِي ثُلُثُ دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ اثْنَانِ، وَلِلثَّالِثِ نِصْفُ دِيَةِ لِأَنَّهُ هَلَكَ فَوْقَهُ وَاحِدٌ، وَلِلرَّابِعِ دِيَةٌ - فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِقَضَاءِ عَلِيٍّ «فَقَالَ: هُوَ مَا قَضَى بَيْنَكُمْ»

- وَهُمْ يُخَالِفُونَ هَذَا وَلَا يَقُولُونَ بِهِ، فَمَرَّةً تَكُونُ رِوَايَةُ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ حَنَشٍ حُجَّةً إذَا ظَنُّوا أَنَّ تَمْوِيهَهُمْ بِهَا يَجُوزُ لَهُمْ، وَمَرَّةً لَا تَكُونُ حُجَّةً إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ أَنْ يُمَوِّهُوا بِهَا - وَمَا أَدْرِي أَيَّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا.

ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ الْأَخْبَارُ الَّتِي قَدَّمْنَا لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهَا مُتَعَلِّقٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا: أَنْ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ، بَلْ فِيهَا: أَنْ لَا يُقْضَى عَلَى حَاضِرٍ بِدَعْوَى خَصْمِهِ دُونَ سَمَاعِ حُجَّتِهِ - وَهَذَا شَيْءٌ لَا نُخَالِفُهُمْ فِيهِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى عَلَى حَاضِرٍ وَلَا غَائِبٍ بِقَوْلِ خَصْمِهِ، وَلَكِنْ بِاَلَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ فَقَطْ، فَظَهَرَ عَظِيمُ تَمْوِيهِهِمْ بِالْبَاطِلِ -

وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

وَمِنْ الْعَجَائِبِ: أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَذِهِ الْآثَارَ الَّتِي مَوَّهُوا بِهَا فِي مَكَان آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَضَوْا عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِ وَكِيلِهِ عَلَيْهِ - وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَصْلًا.

وَأَمَّا تَمْوِيهُهُمْ بِعُمَرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ الْغِفَارِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْجُهَنِيُّ - وَلَا يُدْرَى مَنْ هُمَا فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى - ثُمَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ عُمَرَ - وَلَمْ يُولَدْ عَمْرٌو إلَّا لَيْلَةَ مَوْتِ عُمَرَ.

وَأَيْضًا - فَكَمْ قَضِيَّةٍ لِعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، قَدْ خَالَفُوهَا حَيْثُ لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا.

وَأَيْضًا - فَلَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنْ لَا يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ بِدَعْوَى خَصْمِهِ - وَهَذَا حَقٌّ لَا نُنْكِرُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>