فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ، وَالْحُكْمِ، إلَّا الْغَرَامَةُ إنْ أَقَرَّ أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِيَقِينِ الْحَاكِمِ، أَوْ الْيَمِينُ إنْ أَنْكَرَ فَقَطْ، فَلَمَّا لَمْ يُقِرَّ، وَلَا قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلَا تَيَقَّنَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الْمُدَّعِي: سَقَطَتْ الْغَرَامَةُ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إلَّا الْيَمِينُ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى، فَهُوَ حَقُّهُ قِبَلَ الْمَطْلُوبِ، فَوَجَبَ أَخْذُهُ بِهِ وَلَا بُدَّ، لَا بِمَا سِوَاهُ مِمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ - سَوَاءٌ كَانَ لِلطَّالِبِ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ - لِأَنَّ مُرَاعَاةَ فَائِدَتِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ دُونَ مُرَاعَاةِ فَائِدَةِ الْمَطْلُوبِ.
وَقَالَ: إنَّ قَطْعَ الْخُصُومَةِ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَانْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، فَإِذْ نَكَلَ فَقَدْ لَزِمَهُ قَطْعُ الْخُصُومَةِ، وَهِيَ لَا تَنْقَطِعُ بِسَجْنِهِ وَلَا بِأَدَبِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَطْعُهَا بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيهِ الطَّالِبُ، وَكَانَ فِي سَجْنِهِ قَطْعٌ لَهُ عَنْ التَّصَرُّفِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، فَتَقِفُ الْخُصُومَةُ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ.
فَقُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَخِلَافُ قَوْلِكُمْ -: أَمَّا خِلَافُ قَوْلِكُمْ: لَوْ حَلَفَ لَانْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ، بَلْ مَتَى أَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَادَتْ الْخُصُومَةُ - وَسَائِرُ قَوْلِكُمْ بَاطِلٌ.
وَمَا عَلَيْهِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ أَصْلًا إلَّا بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ، لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا بِالْإِقْرَارِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقًا.
وَإِمَّا بِالْيَمِينِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا، وَعَلَى الْحَاكِمِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ بِالْقَضَاءِ بِمَا تُوجِبُهُ الْبَيِّنَةُ، أَوْ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَطْ - وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ.
وَإِمَّا غَرَامَةً - بِأَنْ لَا يُوجِبَهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، فَهِيَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ.
ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ: أَنَّكُمْ بَعْدَ قَضَائِكُمْ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ تَسْجُنُونَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ، قَدْ عُدْتُمْ إلَى السِّجْنِ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ.
وَهَذَا تَلَوُّثٌ وَسَخَافَةٌ نَاهِيكَ بِهَا.
وَقَالَ: هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى، فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ خِلَافُ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ مِنْهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute