وَأَمَرَنَا عِنْدَ الطَّلَاقِ وَالْمُرَاجَعَةِ بِإِشْهَادِ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا.
وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ ذِكْرُ مَا نَحْكُمُ بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي ذَلِكَ وَالْخِصَامِ مِنْ عَدَدِ الشُّهُودِ، إذْ قَدْ يَمُوتُ الشَّاهِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ يَنْسَيَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ يَتَغَيَّرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا.
فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا أَوْ أَضَلُّ سَبِيلًا مِمَّنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ جِهَارًا فَقَالَ: إذَا تَبَايَعْتُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْهِدُوا؟ وَإِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلَا تَكْتُبُوهُ إنْ شِئْتُمْ.
وَلَا تُشْهِدُوا عَلَيْهِ أَحَدًا إنْ أَرَدْتُمْ؟ ثُمَّ أَرَادَ التَّمْوِيهَ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَخَالَفَ الْآيَةَ فِيمَا فِيهَا وَادَّعَى عَلَيْهَا مَا لَيْسَ فِيهَا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلَاءِ.
فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ أَوَّلُ مَنْ يَضُمُّ إلَى هَذَا النَّصِّ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيُجِيزُونَ فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا رَجُلًا وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ إلَّا فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَقَطْ، فَقَدْ زَادُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ بِقِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ.
وَأَمَّا نَحْنُ: فَطَرِيقُنَا فِي ذَلِكَ غَيْرُ طَرِيقِهِمْ، لَكِنْ نَقُولُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ -: قَدْ صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَالْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ «أَنَّ الْأَشْعَثَ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يُحَدِّثُهُمْ بِنُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] فَقَالَ الْأَشْعَثُ: فِي نَزَلَتْ، وَفِي رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَلْيَحْلِفْ» .
فَوَجَدْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَدْ كَلَّفَ الْمُدَّعِيَ مَرَّةً شَاهِدَيْنِ؛ وَمَرَّةً بَيِّنَةً مُطْلَقَةً، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ كُلَّ مَا قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنَّهُ بَيِّنَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute