للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَوْلُهُ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] مَعْنَاهُ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُنَّ الطُّهْرُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْحَيْضِ وقَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] هُوَ صِفَةُ فِعْلِهِنَّ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا يُسَمَّى فِي الشَّرِيعَةِ وَفِي اللُّغَةِ تَطَهُّرًا وَطَهُورًا وَطُهْرًا، فَأَيَّ ذَلِكَ فَعَلَتْ فَقَدْ تَطَهَّرَتْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة: ١٠٨] فَجَاءَ النَّصُّ وَالْإِجْمَاعُ بِأَنَّهُ غَسْلُ الْفَرْجِ وَالدُّبُرِ بِالْمَاءِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» فَصَحَّ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْجَنَابَةِ وَلِلْحَدَثِ طَهُورٌ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» يَعْنِي الْوُضُوءَ.

وَمَنْ اقْتَصَرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [البقرة: ٢٢٢] عَلَى غَسْلِ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ كُلِّهِ دُونَ الْوُضُوءِ وَدُونَ التَّيَمُّمِ وَدُونَ غَسْلِ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ، فَقَدْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَادَّعَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا فَعَلْتُمْ هَذَا فِي الشَّفَقِ؟ إذْ قُلْتُمْ أَيُّ شَيْءٍ تَوَقَّعَ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّفَقِ فَبِغُرُوبِهِ تَدْخُلُ صَلَاةُ الْعَتَمَةِ، فَمَرَّةً تَحْمِلُونَ اللَّفْظَ عَلَى كُلِّ مَا يَقْتَضِيهِ، وَمَرَّةً عَلَى بَعْضِ مَا يَقْتَضِيهِ بِالدَّعْوَى وَالْهَوَسِ.

فَإِنْ قَالَ: إذَا حَاضَتْ حَرُمَتْ بِإِجْمَاعٍ فَلَا تَحِلُّ إلَّا بِإِجْمَاعٍ آخَرَ، قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، لَمْ يُوجِبْهَا لَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، بَلْ إذَا حَرُمَ الشَّيْءُ بِإِجْمَاعٍ ثُمَّ جَاءَ نَصٌّ يُبِيحُهُ فَهُوَ مُبَاحٌ، مَا نُبَالِي أُجْمِعَ عَلَى إبَاحَتِهِ أَمْ اُخْتُلِفَ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ قَضِيَّتُكُمْ هَذِهِ صَحِيحَةً لَبَطَلَ بِهَا عَلَيْكُمْ أَكْثَرُ أَقْوَالِكُمْ، فَيُقَالُ لَكُمْ: قَدْ حَرَّمْتُمْ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْمُجْنِبِ بِإِجْمَاعٍ، فَلَا تَحِلُّ لَهُمَا إلَّا بِإِجْمَاعٍ وَلَا تُجِيزُوا لِلْجُنُبِ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ شَهْرًا فَلَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ، بَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْأَسْوَدُ لَا يُجِيزُونَ لَهُ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ، وَأَبْطَلُوا صَلَاةَ مَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَسْتَنْشِقْ، لِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي صِحَّتِهَا، وَأَبْطَلُوا صَلَاةَ مَنْ تَوَضَّأَ بِفَضْلِ امْرَأَةٍ وَمَنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَجَمِيعِ الشَّرَائِعِ، فَصَحَّ أَنَّ قَضِيَّتَهُمْ هَذِهِ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ فِي ذَاتِهَا، وَفِي غَايَةِ الْإِفْسَادِ لِقَوْلِهِمْ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: إنْ كَانَتْ أَيَّامُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَبِانْقِطَاعِ الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ يَحِلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>