قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَيْهَا: خُيِّرَتْ الْحُرَّةُ، فَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ.
قَالَ: فَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا تَمَامَ أَرْبَعٍ مِنْ الْإِمَاءِ إنْ شَاءَ، وَلَا خِيَارَ لِلْحُرَّةِ بَعْدُ.
قَالَ: وَيَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ الْأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرِّ الْوَاجِدِ صَدَاقَ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ لِأَمَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ - وَخَشِيَ مَعَ ذَلِكَ الْعَنَتَ - فَلَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا أَكْثَرَ.
وَقَالَ مَرَّةً: إنْ لَمْ يَجِدْ صَدَاقَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَوَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ، فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ عَارٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ جُمْلَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَ فِي بَعْضِهِ بَعْضَ السَّلَفِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ سَائِرِهِمْ، وَلَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ إلَّا بِبَيَانِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْآخَرُ، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا بِالْقُرْآنِ، وَأَمَّا قَوْلَاهُمَا الْمَشْهُورَانِ عَنْهُمَا، فَخِلَافٌ لِلْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِي مَنْعِ الْحُرِّ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، وَإِبَاحَتُهُ لَهُ نِكَاحَ الْأَمَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيعًا لِطَوْلٍ يَنْكِحُ بِهِ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ لَيْسَ تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ أَصْلًا، وَلَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ قَطُّ، إلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ هُوَ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ» فَهَذَا مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ هَالِكٌ.
وَأَيْضًا - فَلَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرُ الْحُرَّةِ كَمَا ذَكَرَ مَالِكٌ.
وَأَمَّا تَخْيِيرُهُ الْحُرَّةَ فِي الْبَقَاءِ تَحْتَ زَوْجِهَا الْحُرِّ، أَوْ فِرَاقِهِ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا مَنْعُ الشَّافِعِيِّ مَنْ وَجَدَ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، فَقَوْلٌ لَا تَقْتَضِيهِ الْآيَةُ - فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا، إذْ لَيْسَتْ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ، وَلَا لِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ إذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - هُوَ الْقُرْآنُ،