عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ، فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، فَكَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ» .
فَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -: أَقْطَعُهُمَا - أَنَّ سَبْيَ أَوْطَاسٍ كَانُوا وَثَنِيِّينَ لَا كِتَابِيِّينَ، لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ، وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَنَا أَنَّ وَطْءَ الْوَثَنِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا يَحِلُّ حَتَّى تُسْلِمَ - فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ - لَوْ صَحَّ إعْلَامُهُمْ - أَنَّ عِصْمَتَهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قَدْ انْقَطَعَتْ إذَا أَسْلَمْنَ - وَإِنْ كَانَ لَمْ يُذْكَرْ هَاهُنَا الْإِسْلَامُ - لَكِنْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] وَوَاجِبٌ أَنْ يُضَمَّ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَيْضًا، فَقَالَ -: نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: أَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى - هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى - عَنْ سَعِيدٍ - هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ - عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ: أَنْ أَبَا عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيَّ حَدَّثَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَهُمْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَرِيَّةً» بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ.
فَصَحَّ أَنَّ أَبَا الْخَلِيلِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عَلْقَمَةَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ.
وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي النِّسَاءِ مَنْ يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟ فَقُلْنَا: هَبْكَ كَانَ كَمَا تَزْعُمُونَ فَكَانَ مَاذَا؟ وَلَا وَجَدْنَا فِي الْفَرَائِضِ فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ غَيْرَ الْمَغْرِبِ؛ وَلَا وَجَدْنَا فِي الْأَمْوَالِ شَيْئًا يُزَكَّى مِنْ غَيْرِهِ إلَّا الْإِبِلَ؟ فَلَا أَبْرَدَ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ السَّخِيفِ الْمُعْتَرَضِ بِهِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَالصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَكَيْفَ وَالْحَرَائِرُ كُلُّهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِالزَّوَاجِ، وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ؟
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، فَدَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِيَّةُ.
فَقُلْنَا: فَأَدْخَلُوا بِهَذَا الْعُمُومِ فِي الْإِبَاحَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَطْءَ الْحَائِضِ وَالْأُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالْأُمِّ مِنْ الرَّضَاعِ، وَأُمِّ الزَّوْجَةِ؛ وَاَلَّتِي وَطِئَهَا الْأَبُ، وَالْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute