فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ؟ فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغْفَلْتَ آيَةَ كَذَا، أَوَنُسِخَتْ؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: بَلْ أُنْسِيتُهَا» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - نَسِيَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ، فَمَنْ الزُّهْرِيُّ، وَمَنْ سُلَيْمَانُ، وَمَنْ يَحْيَى حَتَّى لَا يَنْسَى؟ وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: ١١٥] .
لَكِنْ ابْنُ جُرَيْجٍ ثِقَةٌ، فَإِذَا رَوَى لَنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى - وَهُوَ ثِقَةٌ - أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِخَبَرٍ مُسْنَدٍ، فَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّة بِهِ، سَوَاءٌ نَسَوْهُ بَعْدَ أَنْ بَلَّغُوهُ وَحَدَّثُوا بِهِ، أَوْ لَمْ يَنْسَوْهُ.
وَقَدْ نَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ لَا عَدْوَى.
وَنَسِيَ الْحَسَنُ حَدِيثَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ.
وَنَسِيَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ حَدَّثُوا بِهَا، فَكَانَ مَاذَا؟ لَا يَعْتَرِضُ بِهَذَا إلَّا جَاهِلٌ، أَوْ مُدَافِعٌ لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَلَا نَدْرِي فِي أَيِّ الْقُرْآنِ، أَمْ فِي أَيِّ السُّنَنِ، أَمْ فِي أَيِّ حُكْمِ الْعُقُولِ وَجَدُوا؟ أَنَّ مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ ثُمَّ نَسِيَهُ: أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْخَبَرِ يَبْطُلُ، مَا هُمْ إلَّا فِي دَعْوَى كَاذِبَةٍ بِلَا بُرْهَانٍ؟
وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا خَالَفَا مَا رَوَيَا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ مَاذَا؟ إنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَامَتْ حُجَّةُ الْعَقْلِ بِوُجُوبِ قَبُولِ مَا صَحَّ عِنْدَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وَبِسُقُوطِ اتِّبَاعِ قَوْلٍ مِنْ دُونِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
وَلَا نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا: أَنَّ مَنْ خَالَفَ - بِاجْتِهَادِهِ مُخْطِئًا مُتَأَوِّلًا - مَا رَوَاهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا رَوَاهُ، ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْهِمْ أَصْلَهُمْ هَذَا الْفَاسِدَ، فَنَقُولُ: إذَا صَحَّ أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَالزُّهْرِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَوَيَا هَذَا الْخَبَرَ، وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا خَالَفَاهُ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُمَا خَالَفَاهُ، بَلْ بَلْ الظَّنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لَا يُخَالِفَانِ مَا رَوَيَاهُ، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّ تَرْكَنَا مَا لَا يَلْزَمُنَا مِنْ قَوْلِهِمَا لِمَا يَلْزَمُنَا مِنْ رِوَايَتِهِمَا هُوَ الْوَاجِبُ، لَا تَرْكَ مَا يَلْزَمُنَا مِمَّا رَوَيَاهُ لِمَا لَا يَلْزَمُنَا مِنْ رَأْيِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute