للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَهَا {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: ٣٢] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ: هَذَا مَنْسُوخٌ إلَّا بِيَقِينٍ يَقْطَعُ بِهِ، لَا بِظَنٍّ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا الْفَرْضُ اسْتِعْمَالُ النُّصُوصِ كُلِّهَا.

فَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] .

وقَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} [النساء: ٣] إلَّا مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِنَّ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، وَنِكَاحُ الزَّانِيَةِ وَنِكَاحُ الزَّانِي لِمُؤْمِنَةٍ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْنَا، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ بِلَا شَكٍّ كَاسْتِثْنَاءِ سَائِرِ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى يَنْكِحُ هَهُنَا: يَطَأُ، لَيْسَ مَعْنَاهُ: يَتَزَوَّجُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذِهِ دَعْوَى أُخْرَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَحُرِّمَ عَلَى الزَّوْجِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ إذَا زَنَتْ وَهَذَا لَا يَقُولُونَهُ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حُرِّمَ وَطْؤُهَا بِالزِّنَا فَقَطْ؟ قُلْنَا: وَهَذِهِ زِيَادَةٌ فِي التَّخْصِيصِ بِلَا بُرْهَانٍ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ، إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَهَذَا لَا يَحِلُّ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ كَاذِبٌ بِيَقِينِ، لِأَنَّنَا قَدْ نَجِدُ الزَّانِيَ يَسْتَكْرِهُ الْعَفِيفَةَ الْمُسْلِمَةَ فَيَكُونُ زَانِيًا بِغَيْرِ زَانِيَةٍ وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ نَقُولَ مَا يَدْفَعُهُ الْعِيَانُ.

وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَكَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ نا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ نا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ - نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ نَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْمَسْجِدِ إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَاثَ عَلَيْهِ لَوْثًا مِنْ كَلَامٍ - وَهُوَ دَهِشٌ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: قُمْ فَانْظُرْ فِي شَأْنِهِ، فَإِنَّ لَهُ شَأْنًا. فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ ضَيْفًا ضَافَنِي فَزَنَى بِابْنَتِهِ؟ فَضَرَبَ عُمَرُ فِي صَدْرَهُ، وَقَالَ لَهُ: قَبَّحَك اللَّهُ، أَلَا سَتَرْت عَلَى ابْنَتِك، فَأَمَرَ بِهِمَا أَبُو بَكْرٍ فَضُرِبَا الْحَدَّ، ثُمَّ زَوَّجَ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمَا أَنْ يُغَرَّبَا حَوْلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>