فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: إنَّمَا يُقْضَى لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مَفْرُوضًا لَهَا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ - وَأَمَّا إنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَهَاهُنَا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا شَيْءَ لَهَا إلَّا الْمُتْعَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: لَهَا النِّصْفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] عُمُومٌ لِكُلِّ صَدَاقٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَرَضَهُ النَّاكِحُ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ - وَالزَّائِدُ لِهَذَا الْحُكْمِ مُخْطِئٌ مُبْطِلٌ مُتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الَّذِي فَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَى مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ الصَّادِقِ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤] مُوجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا أَحَدَ وَجْهَيْنِ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا ضَرُورَةً: إمَّا مَا رَضِيَتْ، وَإِمَّا مَهْرُ مِثْلِهَا، فَأَيُّهُمَا لَزِمَهُ بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ حَقٍّ فَقَدْ فَرَضَهُ لَهَا، إذْ عَقَدَ نِكَاحَهَا يَقِينًا فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ وَجَبَ لَهَا فِي مَالِهِ - وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا حُجَّةً أَصْلًا.
وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: ٢٣٧] فِي نَفْسِ الْعَقْدِ خَاصَّةً لَبَيَّنَهُ لَنَا وَلَمْ يُهْمِلْهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَا هُنَالِكَ.
فَإِذًا لَا شَكَّ فِي هَذَا فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِكُلِّ حَالٍ.
وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ يَطَأْهَا - طَالَ - مُقَامُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَطُلْ - فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ -: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ: أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ: إذَا أَرْخَى السِّتْرَ، أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute