عَنْ أَبِي النُّعْمَانَ الْأَزْدِيُّ قَالَ «زَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً عَلَى سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ قَالَ: لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَكَ مَهْرًا» .
فَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ، فِيهِ ثَلَاثُ عُيُوبٍ -:
أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، إذْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ.
وَالثَّانِي - أَنَّ أَبَا عَرْفَجَةَ الْفَاشِيَّ مَجْهُولٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ.
وَالثَّالِثُ - أَنَّ أَبَا النُّعْمَانَ الْأَزْدِيُّ مَجْهُولٌ أَيْضًا لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ.
وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ: أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ تَزَوَّجَ أُمَّ سُلَيْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى أَنْ يُسْلِمَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَهْرٌ غَيْرُهُ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ -:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ هِجْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمُدَّةٍ، لِأَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ، مِنْ أَوَّلِ الْأَنْصَارِ إسْلَامًا، وَلَمْ يَكُنْ نَزَلَ إيجَابُ إيتَاءِ النِّسَاءِ صَدُقَاتِهِنَّ بِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ ذَلِكَ - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَاصٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ - بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْفَضْلُ لَنَا وَالْأَجْرُ وَالْإِحْسَانُ فِي أَنْ نَفْعَلَ كَمَا فَعَلَ ائْتِسَاءً بِهِ، وَالْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ مُخْطِئٌ، وَالرَّاغِبُ عَنْ سُنَّتِهِ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ هَالِكٌ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ بِأَنَّهُ خُصُوصِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَحِلُّ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ حِينَئِذٍ.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَأْتُونَ إلَى مَا عَمِلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَمْ يُخْبِرْ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ خَاصٌّ لَهُ فَيَقُولُونَ: هُوَ خَاصٌّ لَهُ ثُمَّ يَأْتُونَ إلَى نِكَاحِ الْمَوْهُوبَةِ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّهَا خَالِصَةٌ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُونَ: هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِمَّا اُبْتُلُوا بِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَأَيْت إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؟
فَقُلْنَا: إنْ كَانَ قَدْ عَلَّمَهَا السُّورَةَ الَّتِي أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَهَا فَقَدْ اسْتَوْفَتْ صَدَاقَهَا، وَلَا سَبِيلَ لَهَا إلَيْهِ، لِأَنَّهُ عَرَضٌ قَدْ انْقَضَى - وَإِنْ كَانَ لَمْ يُعَلِّمْهَا إيَّاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعَلِّمَهَا نِصْفَهَا