وَلَا شَيْءَ أَطْرَفُ مِنْ إسْقَاطِهِمْ عَنْ الزَّوْجِ الْكِسْوَةَ مَا دَامَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَكْتَسِيَ مِنْ صَدَاقِهَا وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ النَّفَقَةُ مَا دَامَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ صَدَاقِهَا؟ فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْقَطَ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ الْفَاسِدِ؟ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: ٣٤] ؟ فَقُلْنَا: صَدَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَحِلُّ تَحْرِيفُ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلَا أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَمْ يَقُلْ، فَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ.
وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرٌ لِقِيَامِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا، وَلَا لِلْحُكْمِ بِرَأْيِهِ، وَلَا لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ.
وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ قَائِمٌ عَلَيْهَا يُسْكِنُهَا حَيْثُ يَسْكُنُ وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَيُرَحِّلُهَا حَيْثُ يَرْحَلُ.
ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الْآيَةِ لِمَا ادَّعَيْتُمْ لَكُنْتُمْ أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهَا، لِأَنَّكُمْ خَصَّصْتُمْ بَعْضَ الصَّدَقَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَدُونَ سَائِرِ مَالِهَا، كُلُّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ بِلَا بُرْهَانٍ.
وَشَغَبُوا أَيْضًا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِحُسْنِهَا، وَمَالِهَا، وَجَمَالِهَا، وَدِينِهَا - فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» .
وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا لَا نَظِيرَ لَهُ -: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ أَنْ تُنْكَحَ لِمَالِهَا، وَلَا نَدَبَ إلَى ذَلِكَ، وَلَا صَوَّبَهُ، بَلْ إنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ إخْبَارًا عَنْ فِعْلِ النَّاسِ فَقَطْ، وَهَذِهِ أَفْعَالُ الطَّمَّاعِينَ الْمَذْمُومِ فِعْلُهُمْ فِي ذَلِكَ بَلْ فِي الْخَبَرِ نَفْسِهِ الْإِنْكَارُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ» فَلَمْ يَأْمُرْ بِأَنْ تُنْكَحَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا لِلدِّينِ خَاصَّةً، لَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ لِمَالِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ لَهَا الصَّدَاقَ عَلَيْهِ وَالنَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute