الرَّبِيبَةِ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ إرْخَاصَ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَنَهْيَ مَنْ نَهَاهُ؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: قَدْ جَاءَنِي كِتَابُك وَفَهِمْت الَّذِي فِيهِ، وَإِنِّي لَا أُحِلُّ لَك مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك، وَلَا أُحَرِّمُ عَلَيْك مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك، وَلَعَمْرِي إنَّ النِّسَاءَ كَثِيرٌ - وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ؟ فَجَاءَ بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ فَقَرَأَهُ الَّذِي سَأَلَهُمْ؟ فَكُلُّهُمْ قَالَ: صَدَقَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: فَانْصَرَفَ عَنْ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَبَائِبُكُمُ} [النساء: ٢٣] مَعْطُوفٌ عَلَى مَا حَرَّمَ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ - وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣] نَعْتٌ لِلرَّبَائِبِ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ.
وقَوْله تَعَالَى: {مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] مِنْ صِلَةِ الرَّبَائِبِ لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، إذْ لَوْ كَانَ رَاجِعًا إلَى قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: ٢٣] لَكَانَ مَوْضِعُهُ أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ - وَهَذَا مُحَالٌ فِي الْكَلَامِ.
فَصَحَّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي " الرَّبَائِبِ " خَاصَّةً، وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى " أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي " الرَّبِيبَةِ " فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا دَخَلَ بِأُمِّهَا فَقَدْ حَرُمَتْ الْبِنْتُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ -: رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا نَكَحَ ابْنَتَهَا إنْ شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا؟ فَقَالَ عِمْرَانُ: لَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا - دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا - فَإِنْ طَلَّقَ الْأُمَّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِمِثْلِ قَوْلِنَا -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ قَالَ: كَانَ عِنْدِي امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ لِي فَتُوُفِّيَتْ، فَوَجَدْت عَلَيْهَا، فَلَقِيت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالَ لِي: مَالَك؟ قُلْت: تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ، قَالَ: أَلَهَا ابْنَةٌ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: كَانَتْ فِي حِجْرِك؟ قُلْت: لَا، هِيَ فِي الطَّائِفِ، قَالَ: فَانْكِحْهَا؟ قُلْت: وَأَيْنَ قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute