وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ: نِكَاحُ الْمَرِيضِ جَائِزٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا وَكُلُّهُمْ يَرَى الصَّدَاقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ - وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا.
وَرَأَى الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: أَنَّ لَهَا الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى لَهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَتَزَوَّجَ شَيْخُنَا أَبُو الْخِيَارِ مَسْعُودُ بْنُ سُلَيْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعِ لَيَالٍ، وَهُوَ مَرِيضٌ يَائِسٌ مِنْ الْحَيَاةِ وَدَخَلَ بِهَا إحْيَاءً لِلسُّنَّةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عَهْدُنَا بِالْمَالِكِيِّينَ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ الصَّاحِبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: مُخَالِفٌ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ ابْنَ مَسْعُودٍ، وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، وَالزُّبَيْرَ، وَقُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، بِحَضْرَةِ جَمِيعِ الْأَحْيَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ، لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ، وَفِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّكَاحَ، وَلَمْ يَخُصَّ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا فِي السُّنَّةِ: صَحِيحًا وَصَحِيحَةً مِنْ مَرِيضٍ وَمَرِيضَةٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤]
وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِ حُجَّةً أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ يُعْقَلُ، غَيْرُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَنْ يُشْرِكُهُمْ فِيهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُونَ: إنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - وَهُوَ مُوقِنٌ بِالْمَوْتِ - بِابْنِ أَمَةٍ لَهُ لَمْ يَزَلْ يَقُولُ: إنَّهُ عَبْدُهُ - فَأَقَرَّ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ، فَإِنَّ إقْرَارَهُ نَافِذٌ، وَيَرِثُ مَالَهُ - فَأَجَازُوا أَنْ يُدْخِلَ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَنْ يَحْرِمُهُمْ الْكُلَّ، وَمَنَعُوهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَحُطُّهُمْ الْيَسِيرَ، وَهَذَا غَايَةُ التَّخْلِيطِ.
وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ رَجُلًا مَرِيضًا يَائِسًا مِنْ الْفَاقَةِ وَالْعَيْشِ ابْتَاعَ جَارِيَةً وَأَشْهَدَ النَّاسَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَبْتَاعُهَا لِيَطْلُبَ مِنْهَا الْوَلَدَ، لِيَمْنَعَ بِذَلِكَ وَرَثَتَهُ الْمِيرَاثَ، فَوَطِئَهَا فَحَمَلَتْ: أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مُبَاحٌ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّهَا قَدْ تَحْمِلُ وَقَدْ لَا تَحْمِلُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute