وَمَعْمَرٌ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ، وَقَتَادَةُ، فَقَالَا جَمِيعًا فِي الْحَائِضِ إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ فَإِنَّهَا تَغْسِلُ فَرْجَهَا وَيُصِيبُهَا زَوْجُهَا.
وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الطُّهْرَ فَتَوَضَّأَتْ حَلَّ وَطْؤُهَا لِزَوْجِهَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رُبَّمَا يُمَوِّهُ مُمَوِّهٌ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنْ أَتَاهَا - يَعْنِي الْحَائِضَ - وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ يَغْتَسِلْ فَنِصْفُ دِينَارٍ» ؟ فَقَدْ قُلْنَا: إنْ مِقْسَمًا ضَعِيفٌ وَلَمْ يَلْقَ عَبْدُ الْكَرِيمِ مِقْسَمًا، فَهُوَ لَا شَيْءَ، وَلَا سِيَّمَا وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْخَبَرِ.
وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَحْتَجَّ الْمَرْءُ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهُ، وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا إلَّا أَنْ تَجُوزَ لَهَا الصَّلَاةُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْوَطْءَ لَيْسَ مُعَلَّقًا بِالصَّلَاةِ، فَقَدْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ جُنُبًا فَيَحِلُّ وَطْؤُهَا، وَلَا تَحِلُّ لَهَا الصَّلَاةُ، وَتَكُونُ مُعْتَكِفَةً، وَمُحْرِمَةً وَصَائِمَةً فَتُصَلِّي وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ لَا بَيَانَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا إلَّا فِي الْآيَةِ، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: ٢٢٢] فَوَجَدْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُبِحْ وَطْءَ الْحَائِضِ إلَّا بِوَجْهَيْنِ اثْنَيْنِ -: وَهِيَ أَنْ تَطْهُرَ، وَأَنْ تَطْهُرَ، لِأَنَّ الضَّمِيرَ الَّذِي فِي " تَطَهَّرْنَ " رَاجِعٌ بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ إلَى الضَّمِيرِ الَّذِي فِي " يَطْهُرْنَ " وَالضَّمِيرُ الَّذِي فِي " يَطْهُرْنَ " رَاجِعٌ إلَى الْحَيْضِ، فَكَانَ مَعْنَى " يَطْهُرْنَ " هُوَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ وَظُهُورُ الطُّهْرِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْفِعْلَ إلَيْهِنَّ، وَكَانَ مَعْنَى " يَطْهُرْنَ " فِعْلًا يَفْعَلْنَهُ، لِأَنَّهُ رَدَّ الْفِعْلَ إلَيْهِنَّ، فَوَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى مُقْتَضَاهَا وَعُمُومِهَا، لَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا، وَلَا الِاخْتِصَارُ عَلَى بَعْضِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ لَفْظُهَا دُونَ كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِالدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ، فَيَكُونُ إخْبَارًا عَنْ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute