للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي سَلَامٍ - هُوَ مَمْطُورٌ الْحَبَشِيُّ - عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ - هُوَ عَمْرُو بْنُ مَرْثَدٍ - قَالَ: إنَّ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «جَاءَتْ ابْنَةُ هُبَيْرَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي يَدِهَا فَتَخٌ - قَالَ مُعَاذٌ: كَذَا فِي كِتَابِ أَبِي - أَيْ خَوَاتِمُ كِبَارٌ - فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَضْرِبُ يَدَيْهَا فَدَخَلَتْ عَلَى فَاطِمَةَ تَشْكُو ذَلِكَ إلَيْهَا، فَنَزَعَتْ فَاطِمَةُ سِلْسِلَةً مِنْ ذَهَبٍ فِي عُنُقِهَا، فَقَالَتْ: هَذِهِ أَهْدَاهَا أَبُو حَسَنٍ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَالسِّلْسِلَةُ فِي يَدِهَا، فَقَالَ: أَيَسُرُّكِ أَنْ تَقُولَ النَّاسُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي يَدِكِ سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ - ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَقْعُدْ، فَأَرْسَلَتْ فَاطِمَةُ بِالسِّلْسِلَةِ إلَى السُّوقِ فَبَاعَتْهَا وَاشْتَرَتْ بِثَمَنِهَا غُلَامًا - وَذَكَرَ كَلِمَةً مَعْنَاهَا: فَأَعْتَقَتْهُ - فَحُدِّثَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّى فَاطِمَةَ مِنْ النَّارِ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا ضَرْبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْ بِنْتِ هُبَيْرَةَ فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا ضَرَبَهَا مِنْ أَجْلِ الْخَوَاتِمِ، وَلَا فِيهِ أَيْضًا: أَنَّ تِلْكَ الْخَوَاتِمَ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ.

وَمَنْ زَادَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْخَبَرِ فَقَدْ كَذَبَ بِلَا شَكٍّ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ رَاوِي الْخَبَرِ، وَهَذَا حَرَامٌ بَحْتٌ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ضَرْبُ يَدَيْهَا لِأَنَّهَا أَبْرَزَتْ عَنْ ذِرَاعَيْهَا مَا لَا يَحِلُّ لَهَا إبْرَازُهُ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَعْلَمُ بِهِ

وَأَمَّا قَوْلُهُ «أَيَسُرُّكِ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ ابْنَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَفِي يَدِكِ سِلْسِلَةٌ مِنْ نَارٍ» فَظَاهِرُ اللَّفْظِ الَّذِي لَيْسَ يُفْهَمُ مِنْهُ سِوَاهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّمَا أَنْكَرَ إمْسَاكَهَا إيَّاهَا بِيَدِهَا، لَيْسَ فِي لَفْظِ الْخَبَرِ نَصٌّ بِغَيْرِ هَذَا، وَلَا دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَهَاهَا عَنْ لِبَاسِهَا وَلَا عَنْ تَمَلُّكِهَا، هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ.

وَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلِمَ أَنَّهَا لَمْ تُزَكِّهَا وَكَانَتْ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: ٣٤] {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: ٣٥] .

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَيِّ وَجْهٍ أَنْكَرَ كَوْنَ السِّلْسِلَةِ فِي يَدِهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>