للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ - أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ - وَأَنْ تُجْبَرَ عَلَى أَنْ لَا تُضَارَّ بِوَلَدِهَا وَلَا ضِرَارَ أَكْثَرَ مِنْ مَنْعِهِ رَضَاعَهَا، وَلَا يُبَاحُ لِامْرَأَةٍ - وَلَوْ أَنَّهَا بِنْتُ الْخَلِيفَةِ - غَيْرَ هَذَا، إلَّا الْمُطَلَّقَةَ، فَإِنَّهَا إنْ تَعَاسَرَتْ هِيَ وَأَبُو الصَّغِيرِ بِأَنْ لَا يَتَّفِقَا عَلَى أُجْرَةٍ يَتَرَاضَيَانِ بِهَا - وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَقْبَلُ ثَدْيَ غَيْرِهَا - فَهَذِهِ يَسْتَرْضِعُ الْمُطَلِّقُ لَهَا أُخْرَى أَخْذًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى - لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: ٦ - ٧] .

وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا سَمْعًا وَلَا طَاعَةً لِمَنْ عَنَدَ عَنْهُ.

وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: «أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ فِي الْمُخْتَلِعَةِ مِنْ جَدِّهِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ الشَّمَّاسِ أَنَّهَا كَانَتْ جَمِيلَةَ بِنْتَ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، وَأَنَّهَا وَلَدَتْ غُلَامًا فَجَعَلَتْهُ فِي لِيفٍ وَأَرْسَلَتْ بِهِ إلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَنْ خُذْ عَنِّي صَبِيَّكَ؟ فَأَتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَنَّكَهُ، وَاسْتَرْضَعَ لَهُ، وَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا نَصُّ مَا قُلْنَا كَانَتْ مُخْتَلِعَةً مُطَلَّقَةً أَبْغَضَ النَّاسُ فِيهِ مُعَاشَرَةً لَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا يَجُوزُ - إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ كَثِيرًا - أَنْ يُنْفِقُوا عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَّا عَلَى دُورِهِمْ، لَا عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ، لِأَنَّ النَّصَّ سَوِيٌّ بَيْنَهُمْ بِإِيجَابِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَلَا تَجُوزُ الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ هُوَ هَذَا الْوَارِثُ؟ أَهُوَ وَارِثُ الْأَبِ الْمَيِّتِ، أَمْ وَارِثُ الَّذِي تَجِبُ لَهُ النَّفَقَةُ؟ قُلْنَا: هَذَا تَعَسُّفٌ وَتَكَلُّفٌ يَأْثَمُ السَّائِلُ، لِأَنَّهُ لَا ذِكْرَ لِوَالِدِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ فِي الْآيَةِ إنَّمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ {لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] .

فَفِي {الْوَارِثِ} [البقرة: ٢٣٣] ضَمِيرُ هُوَ أَنَّهُ يَقْتَضِي مَوْرُوثًا وَلَا بُدَّ، وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إلَى الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ وَاَلَّذِي مَنَعَ أَبَوَاهُ مِنْ الْمُضَارَّةِ بِهِ هُوَ الْوَلَدُ بِلَا شَكٍّ، وَلَا مَعْنَى لِاخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ فِي ذَوِي الرَّحِمِ خَاصَّةً.

وَأَمَّا فِي الْوِرَاثَةِ - فَلَا مِيرَاثَ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>