للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَقِيَ الْكَلَامُ مَعَ مَنْ لَعَلَّهُ يَتَعَلَّقُ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ فَمُنْقَطِعَةٌ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا خَيْرَ فِيهِ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ اخْتِلَافِ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ - عَلَى انْقِطَاعِهَا - فَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ مَا يُوَافِقُ قَوْلَنَا، فَلَيْسَ مَا رُوِيَ مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ حُجَّةً، إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ كَقَوْلٍ.

وَوَجَدْنَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ قَدْ احْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ النِّكَاحَ يُشْبِهُ الْبُيُوعَ، وَالْبُيُوعُ تُرَدُّ بِالْعُيُوبِ، فَوَجَبَ رَدُّ النِّكَاحِ بِذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَسُوغُ التَّمْوِيهُ بِهِ إلَّا لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ وَالزُّهْرِيِّ، وَشُرَيْحٍ - وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ فَلَا، لِأَنَّهُمْ خَصُّوا أَرْبَعَةَ عُيُوبٍ دُونَ سَائِرِ الْعُيُوبِ، وَهَذَا تَرْكٌ لِلْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ جُمْلَةً.

ثُمَّ نَقُولُ لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ: مَا نَدْرِي فِي أَيِّ وَجْهٍ يُشْبِهُ النِّكَاحُ الْبُيُوعَ بَلْ هُوَ خِلَافُهُ جُمْلَةً -: لِأَنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ مِلْكٍ، وَلَيْسَ فِي النِّكَاحِ مِلْكٌ أَصْلًا.

وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ فِي عَقْدِهِ، وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ.

وَالْخِيَارُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فِي الْبَيْعِ مُدَّةً مُسَمَّاةً، وَلَا يَجُوزُ فِي النِّكَاحِ.

وَالْبَيْعُ بِتَرْكِ رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ، وَتَرْكِ وَصْفِهِ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ أَصْلًا.

وَالنِّكَاحُ بِتَرْكِ رُؤْيَةِ الْمَنْكُوحَةِ وَتَرْكُ وَصْفِهَا جَائِزٌ.

وَالنِّكَاحُ عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ جَائِزٌ عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ وَوُصَفَاءَ غَيْرِ مَوْصُوفِينَ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبُيُوعِ - فَبَطَلَ تَشْبِيهُ النِّكَاحِ بِالْبَيْعِ جُمْلَةً.

قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ تَوْفِيَةُ حُقُوقِ النِّكَاحِ مَعَ الْجُنُونِ، وَلَا تَطِيبُ النَّفْسُ عَلَى مُجَامَعَةِ بَرْصَاءَ، أَوْ مَجْذُومَةٍ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى جِمَاعِ قَرْنَاءَ، إنَّمَا تَزَوَّجَهَا لِلْجِمَاعِ؟ فَقُلْنَا: وَلَا تَجُوزُ تَوْفِيَةُ حُقُوقِ النِّكَاحِ مَعَ الْفِسْقِ وَالنَّشَزِ وَسُوءِ الْخُلُقِ، وَمَعَ الْبُكْمِ وَالصُّمِّ، وَمَعَ ضَعْفِ الْعَقْلِ، فَرَدُّوا مِنْهَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>