قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا هَاهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ.
فَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ - فَقَلَّدُوا عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ لَمْ تَصِحَّ عَنْهُ قَطُّ فِي تَأْجِيلِ امْرَأَةِ الْعِنِّينِ وَإِخْرَاجِهَا عَنْ عِصْمَتِهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ.
ثُمَّ خَالَفُوا هَاهُنَا عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ فِيمَا صَحَّ عَنْهُمْ مِنْ تَأْجِيلِ امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؟
وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْحَنَفِيُّونَ أَيْضًا: وَقَدْ رَدُّوا تَقْلِيدَ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْ عُمَرَ فِي تَوْرِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا - وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالدِّينِ وَبِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، وَلَئِنْ كَانَ عُمَرُ هُنَالِكَ حُجَّةً إنَّهُ هَاهُنَا لَحُجَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَاهُنَا حُجَّةً فَمَا هُوَ هُنَالِكَ حُجَّةٌ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ هَاهُنَا؟ قُلْنَا: قَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ فِي أَجَلِ الْعِنِّينِ وَلَا فَرْقَ، وَقَدْ خَالَفَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي تَوْرِيثِ الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ - وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ مُوجِبٌ فَسْخَ نِكَاحٍ لَمْ يُوجِبْ اللَّهُ تَعَالَى فَسْخَهُ، وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَإِنَّهُمْ خَالَفُوا الثَّابِتَ عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُ أَمَرَ وَلِيَّهُ بِطَلَاقِهَا وَأَنَّهُ خَيَّرَ الزَّوْجَ - إذَا أَتَى - بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ، وَقَلَّدُوهُ فِيمَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ قَطُّ، مِنْ أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ عِدَّةَ الْوَفَاةِ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ؟ قُلْنَا: وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ تَخْيِيرُ الزَّوْجِ - إذَا جَاءَ - بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ تَقْلِيدُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِلَا دَلِيلٍ أَصْلًا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ؟ وَمُخَالَفَةُ بَعْضِهِمْ فِيهَا نَفْسِهَا، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالْبَاطِلِ، فَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَقْلِيدُ بَعْضِ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ دُونَ سَائِرِ مَا رُوِيَ عَنْهُ بِلَا بُرْهَانٍ أَصْلًا؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَا يَحِلُّ تَحْرِيمُ فَرْجٍ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلزَّوْجِ وَتَحْلِيلُهُ لِمَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ سَائِرِ الرِّجَالِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute