فَإِنْ قَالُوا: إنَّ بَعْضَ ذَلِكَ أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ، قُلْنَا: نَعَمْ، بَعْضُ التَّطَوُّعِ أَوْكَدُ مِنْ بَعْضٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخْرِجِ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا، لَكِنْ أَخْبِرُونَا عَنْ هَذَا الَّذِي قُلْتُمْ: هُوَ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ، وَلَا تَطَوُّعٌ، أَيَكُونُ تَارِكُهُ عَاصِيًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ أَمْ لَا يَكُونُ عَاصِيًا؟ وَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ تَارِكُهُ عَاصِيًا فَهُوَ فَرْضٌ؛ وَإِنْ كَانَ تَارِكُهُ لَيْسَ عَاصِيًا فَلَيْسَ فَرْضًا.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا حَمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَتَطَوَّعَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ» .
وَهَذَا نَصٌّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْلِنَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ إلَّا وَاجِبًا أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِنَّ مَا عَدَا الْخَمْسَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَهَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ.
وَأَمَّا وُجُوبُ النَّذْرِ؛ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] ؛ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» ، وَلَا خِلَافَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَرْضٌ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَكَافِرٌ.
وَأَمَّا كَوْنُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَرْضًا عَلَى الْكِفَايَةِ؛ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إذَا قَامَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا قَوْمٌ فَقَدْ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ.
وَأَمَّا كَوْنُ مَا عَدَا ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَإِجْمَاعٌ مِنْ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ إلَّا فِي الْوِتْرِ؛ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنَّهُ وَاجِبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ: إنَّهُ فَرْضٌ.
فَالْبُرْهَانُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهُ فَرْضٌ مَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى مُسْلِمٍ: حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى ثنا ابْنُ وَهْبٍ ثنا يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute