{إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: ٢٣]
فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، لَكِنَّهُ فِرَاقٌ، أَوْ فَسْخٌ، أَوْ نَقْضُ نِكَاحٍ - وَكُلُّ اسْمٍ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ بُطْلَانِ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ - إنْ تَخَيَّرَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فِرَاقَهُ: مَاذَا لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: لَا صَدَاقَ لَهَا - صَحَّ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ -.
وَصَحَّ عَنْ قَتَادَةَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ - وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَهَا الصَّدَاقُ كُلُّهُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذْ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَيْسَ طَلَاقًا، فَقَدْ بَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ إلَّا فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِّ فَقَطْ.
وَوَجَدْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤]
فَصَحَّ أَنَّ الصَّدَاقَ لَهَا فَلَا يُسْقِطُهُ شَيْءٌ، وَلَا شَيْئًا مِنْهُ إلَّا حَيْثُ أَسْقَطَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، النِّصْفَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْمَسِّ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَظُلْمٌ لَا شَكَّ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «هُوَ لَهَا بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا» .
قُلْنَا: نَعَمْ، وَعَقْدُ نِكَاحِهَا اسْتِحْلَالٌ لِفَرْجِهَا، وَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّهُ لَهَا بِوَطْئِك لَهَا، فَوَجَبَ أَنَّ لَهَا جَمِيعَ الصَّدَاقِ.
وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مُنْفَسِخَةِ النِّكَاحِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِلِعَانٍ، أَوْ بِأَنْ تَصِيرَ حَرِيمَتَهُ بِرَضَاعٍ، أَوْ بِأَنْ يَطَأَهَا أَبُوهُ، أَوْ جَدُّهُ، أَوْ ابْنُهُ بِجَهَالَةٍ، أَوْ بِزِنًى، أَوْ بِأَنْ تُسْلِمَ هِيَ - وَهُوَ كَافِرٌ - أَوْ بِأَنْ يُسْلِمَ هُوَ - وَهِيَ غَيْرُ كِتَابِيَّةٍ - أَوْ بِأَنْ تَرْتَدَّ هِيَ، أَوْ هُوَ، أَوْ كِلَاهُمَا، أَوْ بِأَنْ تَمُوتَ هِيَ، أَوْ هُوَ - وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي إسْلَامِهَا دُونَهُ -: فَأَبْطَلَ قَوْمٌ صَدَاقَهَا بِذَلِكَ - وَهَذَا عَوْنٌ لِلشَّيْطَانِ، وَصَدٌّ عَنْ الْإِسْلَامِ - وَهَلْ صَدَاقُهَا إلَّا كَدَيْنٍ لَهَا قِبَلَهُ مِنْ سَائِرِ دُيُونِهَا وَلَا فَرْقَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا مُتْعَةَ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ الْمُتْعَةَ إلَّا فِي الطَّلَاقِ فَقَطْ {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١]