وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الدَّبَرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَيْمَنَ - فَذَكَرَهُ نَصًّا - وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، لَا يَحْتَمِلُ التَّوْجِيهَاتِ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِمُرَاجَعَتِهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا طَلْقَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا؟ فَقُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ - بِلَا شَكٍّ - إذْ طَلَّقَهَا حَائِضًا فَقَدْ اجْتَنَبَهَا، فَإِنَّمَا أَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِرَفْضِ فِرَاقِهِ لَهَا وَأَنْ يُرَاجِعَهَا كَمَا كَانَتْ قَبْلُ، بِلَا شَكٍّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَرَعُ إلْزَامُهُ تِلْكَ الطَّلْقَةَ إذْ قَدْ يُطَلِّقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلْقَتَيْنِ فَتَبْقَى عِنْدَهُ، وَلَعَلَّهَا مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا؟ .
فَقُلْنَا: بَلْ هَذَا ضِدُّ الْوَرَعِ، إذْ تُبِيحُونَ فَرْجَهَا لِأَجْنَبِيٍّ بِلَا بَيَانٍ، وَإِنَّمَا الْوَرَعُ أَنْ لَا تُحَرَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِ امْرَأَتُهُ الَّتِي نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبَاحَهَا لَهُ وَحَرَّمَهَا عَلَى مَنْ سِوَاهُ إلَّا بِيَقِينٍ، وَأَمَّا بِالظُّنُونِ وَالْمُحْتَمَلَاتِ فَلَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ إنْ وَجَدُوا فِي الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ مَا يَشْغَبُونَ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا، فَأَيَّ شَيْءٍ وَجَدُوا فِي طَلَاقِهِ إيَّاهَا فِي طُهْرٍ وَطِئَهَا فِيهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ الْقِيَاسِ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ: طُهْرٌ عَلَى حَيْضٍ، فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute