اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيَانِ ذَلِكَ - فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُبَاحَةٌ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ، أَوْ طَلَّقَهَا وَقَدْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، وَوَجَبَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا وَهِيَ امْرَأَتُهُ فَلَيْسَ هَذَا قَوْلُكُمْ، لِأَنَّ قَوْلَكُمْ أَنَّهَا بِتَمَامِ اللِّعَانِ تَبِينُ عَنْهُ إلَى الْأَبَدِ، وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا أَجْنَبِيَّةً، فَإِنَّمَا نَحْنُ فِيمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، لَا فِيمَنْ طَلَّقَ أَجْنَبِيَّةً؟ فَقُلْنَا: إنَّمَا طَلَّقَهَا وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ - هَذَا مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ أَحَدٌ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً لَسَبَقَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ، فَإِنَّمَا حُجَّتُنَا كُلُّهَا فِي تَرْكِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً امْرَأَةً يَظُنُّهَا امْرَأَتَهُ، وَلَا يَشُكُّ أَنَّهَا فِي عِصْمَتِهِ فَقَطْ.
فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ كُلُّ مَسْكُوتٍ عَنْ ذِكْرِهِ فِي الْأَخْبَارِ يَكُونُ تَرْكُ ذِكْرِهِ حُجَّةً؟ .
فَقُلْنَا: نَعَمْ، هُوَ حُجَّةٌ لَازِمَةٌ إلَّا أَنْ يُوجَدَ بَيَانٌ فِي خَبَرٍ آخَرَ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ السُّكُوتُ عَنْهُ فِي خَبَرٍ آخَرَ حُجَّةً.
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ نا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ نا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: «إنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ فَطَلَّقَ. فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَتَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» فَلَمْ يُنْكِرْ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَذَا السُّؤَالَ، وَلَوْ كَانَ لَا يَجُوزُ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ.
وَخَبَرُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَشْهُورُ -: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ زَوْجَهَا ابْنَ حَفْصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ، فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا: إنَّ ابْنَ حَفْصٍ طَلَّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute