وَلَقَدْ يَنْبَغِي لِلْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ: إنَّ التَّحْرِيمَ يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ، وَلَا يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَسْبَابِ، أَنْ يَقُولَ بِقَوْلِ الْحَسَنِ هَذَا - وَلَكِنَّ تَنَاقُضَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُسْلِمِ يُطَلِّقُ الْكِتَابِيَّةَ ثَلَاثًا فَتَتَزَوَّجُ كِتَابِيًّا وَيَطَؤُهَا ثُمَّ يَمُوتُ؟ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: أَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ.
وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ: لَا يُحِلُّهَا - وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا إلَّا قَوْلَهُمْ: لَيْسَ لَهُ طَلَاقٌ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ أَيُّ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ مِنْ إحْلَالِهَا إنْ مَاتَ أَوْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ مِنْهَا.
ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ: إنْ تَزَوَّجَهَا وَوَطِئَهَا ثُمَّ أَسْلَمَ وَلَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ إسْلَامِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا أَيُحِلُّهَا لَهُ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قَالُوا: لَا يُحِلُّهَا لَهُ، بَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّهُ لَا طَلَاقَ لَهُ، إذْ قَدْ صَحَّ طَلَاقُهُ، وَإِنْ قَالُوا: بَلْ يُحِلُّهَا: نَقَضُوا قَوْلَهُمْ فِي أَنَّ وَطْءَ الزَّوْجِ الْكِتَابِيِّ لَا يُحِلُّهَا.
وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، فَجُمْهُورُ النَّاسِ عَلَى هَذَا، إلَّا شَيْئًا رُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: أَنَّهُ يُحِلُّهَا - وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ زَوْجًا، وَلَوْ كَانَ زَوْجًا مَا حَلَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِلَا مَعْنًى إلَّا فَسَادُ عَقْدِهِ فَقَطْ.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي هَلْ يُحِلُّهَا وَطْءُ سَيِّدِهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً؟ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا خَالِدٌ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُثْمَانَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَطَلَّقَهَا فَبَانَتْ مِنْهُ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا سَيِّدَهَا ثُمَّ خَلَا عَنْهَا، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَا جَمِيعًا: لَا بَأْسَ بِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِالْأَمَةِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا فَيَتَسَرَّاهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا زَوْجُهَا، قَالَا جَمِيعًا: إذَا لَمْ يُرِدْ السَّيِّدُ بِذَلِكَ إحْلَالَهَا فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute