للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَحْيَى بْنُ عَتِيقٍ قَالَ: سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ: إنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الَّذِي يُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي بَعْدَ الْوَقْتِ.

وَمِنْ طَرِيقِ سَحْنُونَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حِينَ كَانَتْ بَنُو أُمَيَّةَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ، أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ يَأْتِي الْمَسْجِدَ يُصَلِّي مَعَهُمْ، فَكُلِّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أُصَلِّي مَرَّتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ لَا أُصَلِّيَ شَيْئًا.

قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّ الصَّلَاةَ الْأُولَى كَانَتْ فَرْضَهُ وَالْأُخْرَى تَطَوُّعٌ، فَهُمَا صَلَاتَانِ صَحِيحَتَانِ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَيْسَتْ صَلَاةً أَصْلًا، وَلَا هِيَ شَيْءٌ.

وَعَنْ أَسَدِ بْنِ مُوسَى بْنِ مَرْوَانِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْت اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ أَقْوَامًا فَعَابَهُمْ فَقَالَ: {أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: ٥٩] وَلَمْ تَكُنْ إضَاعَتُهُمْ إيَّاهَا، أَنْ تَرَكُوهَا؛ وَلَوْ تَرَكُوهَا لَكَانُوا بِتَرْكِهَا كُفَّارًا، وَلَكِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ وَقْتِهَا.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بُدَيْلِ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا صَلَّى الصَّلَاةَ؛ لِوَقْتِهَا صَعِدَتْ وَلَهَا نُورٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ، وَقَالَتْ: حَفِظْتَنِي حَفِظَك اللَّهُ، وَإِذَا صَلَّاهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا طُوِيَتْ كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ الْخَلَقُ فَضُرِبَ بِهَا وَجْهُهُ.

وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا أَيْ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً؛ وَكَذَلِكَ قَالَ آخَرُونَ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» وَفِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ» .

قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ؛ لِهَؤُلَاءِ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى مَا ادَّعَيْتُمْ؟ فَإِنْ قَالُوا: هُوَ مَعْهُودُ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ قُلْنَا: مَا هُوَ كَذَلِكَ؛ بَلْ مَعْهُودُ كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ - أَنَّ " لَا " لِلنَّفْيِ وَالتَّبْرِئَةِ جُمْلَةً إلَّا أَنْ يَأْتِيَ دَلِيلٌ مِنْ نَصٍّ آخَرَ أَوْ ضَرُورَةُ حِسٍّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَنَا، وَهُوَ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةٍ لَمْ تَكْمُلْ وَلَمْ تَتِمَّ فَهِيَ بَاطِلٌ كُلُّهَا، بِلَا خِلَافٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا هَذَا فِيمَا نَقَصَ مِنْ فَرَائِضِهَا؛ قُلْنَا: نَعَمْ؛ وَالْوَقْتُ مِنْ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ وَمِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ صَلَاةٌ تَعَمَّدَ تَرْكَ فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>