وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ.
وَقَوْلٌ ثَالِثٌ - وَهُوَ أَنَّ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ إنْ أَكْرَهَهُ اللُّصُوصُ لَمْ يَلْزَمْهُ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ لَزِمَهُ -: رُوِّينَاهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ.
وَقَوْلٌ رَابِعٌ - رُوِّينَاهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أُكْرِهَ ظُلْمًا عَلَى الطَّلَاقِ فَوَرَكَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَإِنْ لَمْ يُوَرِّكْ لَزِمَهُ، وَلَا يَنْتَفِعُ الظَّالِمُ بِالتَّوْرِيكِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ أَجَازَهُ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو الْأَصَمِّ الطَّائِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّ رَجُلًا جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَتْ السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ لَهُ: طَلِّقْنِي أَوْ لَأَذْبَحَنَّكَ؟ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» .
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ الْجُبْلَانِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ صَفْوَانَ يَقُولُ: «إنَّ رَجُلًا جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ فَوَضَعَتْ السِّكِّينَ عَلَى فُؤَادِهِ وَهِيَ تَقُولُ: لَتُطَلِّقَنِّي أَوْ لَأَقْتُلَنَّكَ؟ فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: لَا قَيْلُولَةَ فِي الطَّلَاقِ» وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ، صَفْوَانُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ - وَبَقِيَّةُ ضَعِيفٌ - وَالْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ مَغْمُورٌ.
وَذَكَرُوا خَبَرًا آخَرَ - مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إلَّا طَلَاقُ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ» .
وَهَذَا شَرٌّ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ عَجْلَانَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ
وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهِ أَوَّلُ الْمُخَالِفِينَ لَهُ لِأَصْلٍ فَاسِدٍ لَهُمْ -: أَمَّا أَصْلُهُمْ - فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ: إذَا خَالَفَ شَيْئًا مِنْهَا رَاوِيهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِهِ، وَهَذَا خَبَرٌ إنَّمَا ذُكِرَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالثَّابِتُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إبْطَالُ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا.
وَأَمَّا خِلَافُهُمْ لَهُ - فَإِنَّهُمْ لَا يُجِيزُونَ طَلَاقَ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ، وَعُمُومُ هَذَا الْخَبَرِ الْمَلْعُونِ يَقْتَضِي جَوَازَهُ، كَمَا يَقْتَضِي عِنْدَهُمْ جَوَازَ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute