ثُمَّ لَوْ عُكِسَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُمْ، فَقِيلَ: بَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا أَجَّلَ أَجَلًا - قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ - سَاعَةَ لَفْظِهِ بِالطَّلَاقِ، وَلَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا أَجَّلَ أَجَلًا يَأْتِي وَلَا بُدَّ، لَمَا كَانَ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ وَجَعَلَ الطَّلَاقَ يَقَعُ إذَا جَاءَ الْأَجَلُ - لَا قَبْلَ ذَلِكَ - بِأَنْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] ؟ فَقُلْنَا: إنَّمَا هَذَا فِي كُلِّ عَقْدٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِهِ، أَوْ نَدَبَ إلَيْهِ - لَا فِي كُلِّ عَقْدٍ جُمْلَةً، وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ، وَمِنْ الْمَعَاصِي أَنْ يُطَلِّقَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، فَلَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ.
وَقَالُوا: " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ".
وَهَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ» .
وَالطَّلَاقُ إلَى أَجَلٍ مُشْتَرَطٍ بِشَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَقَالُوا: نَقِيسُ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَايِنَةِ إلَى أَجَلٍ، وَالْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ؟ فَقُلْنَا: الْقِيَاسُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّ الْمُدَايِنَةَ وَالْعِتْقَ قَدْ جَاءَ فِي جَوَازِهِمَا إلَى أَجَلٍ النَّصُّ، وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ.
ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلًا، لِأَنَّكُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ إلَى أَجَلٍ لَا يَجُوزُ، وَأَنَّ ذَلِكَ النِّكَاحَ بَاطِلٌ، فَهَلَّا قِسْتُمْ الطَّلَاقَ إلَى أَجَلٍ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالُوا: قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْدَ الْأَجَلِ، لِأَنَّ مَنْ أَوْقَعَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ فَقَدْ أَجَازَهُ، فَالْوَاجِبُ الْمَصِيرُ إلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، وَمَا أَجْمَعُوا قَطُّ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ - حِينَ لَفَظَ بِهِ الْمُطَلِّقُ - لَمْ يَجُزْ قَطُّ أَنْ يُؤَخِّرَ إيقَاعَهُ إلَى أَجَلٍ وَاَلَّذِينَ أَوْقَعُوهُ عِنْدَ الْأَجَلِ لَمْ يُجِيزُوا إيقَاعَهُ حِينَ نَطَقَ بِهِ.
وَقَالُوا: هَذَا قَوْلُ صَاحِبٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute