للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَسَوَّى تَعَالَى بَيْنَ طَلَاقِ كُلِّ نَاكِحٍ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، أَوْ عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيٍّ، أَوْ مَرِيضٍ أَوْ صَحِيحٍ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .

وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمَا أَهْمَلَهُ وَلَا أَغْفَلَهُ وَلَا غَشَّنَا بِكِتْمَانِهِ، وَلَبَيَّنَهُ لَنَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَوَاَللَّهِ مَا أَرَادَ اللَّهُ قَطُّ فَرْقًا بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

وَبِالْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا صَحَّ أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ النَّاكِحِ لَا بِيَدِ سِوَاهُ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ دُخُولًا مُسْتَوِيًا بِلَا شَكٍّ.

وَقَدْ وَافَقَنَا الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ عَلَى هَذَا.

وَوَافَقَنَا الْحَنَفِيُّونَ عَلَى أَنَّ الْحُرَّةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا الْعَبْدِ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ.

وَوَافَقَنَا الشَّافِعِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا الْحُرِّ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ - وَخَالَفُونَا فِي الْأَمَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ.

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] قَاضٍ لِقَوْلِنَا بِالصَّوَابِ، وَشَاهِدٌ بِأَنَّهُ الْحَقُّ قَطْعًا، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِذَلِكَ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ.

وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلَافٌ نَذْكُرُ مِنْهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَسَّرَ بِفَضْلِهِ لِذِكْرِهِ - وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: طَلَاقُ الْعَبْدِ بِيَدِ سَيِّدِهِ إنْ طَلَّقَ جَازَ، وَإِنْ فَرَّقَ فَهِيَ وَاحِدَةٌ إذَا كَانَا لَهُ جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لَهُ وَالْأَمَةُ لِغَيْرِهِ طَلَّقَ السَّيِّدُ أَيْضًا إنْ شَاءَ. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ طَلَاقُ الْعَبْدِ وَلَا فُرْقَتُهُ بِشَيْءٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>