للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَا عَمَّارُ بْنُ زُرَيْقٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: كُنْت فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ مَعَ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ فَذَكَرَ: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَتَتْ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ: لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ؟ وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا أَبُو الْجَوَابِ الْأَحْوَصُ بْنُ جَوَابٍ أَنَا عَمَّارٌ - هُوَ ابْنُ زُرَيْقٍ - عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَحَصَبَهُ الْأَسْوَدُ وَقَالَ: وَيْحَكَ لِمَ تُفْتِي بِمِثْلِ هَذَا؟ قَالَ عُمَرُ لَهَا: إنْ جِئْت بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَإِلَّا لَمْ نَتْرُكْ كِتَابَ اللَّهِ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطلاق: ١] .

قُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ -: فَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ: مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَإِنَّ هَذَا يَجْمَعُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ -: أَمَّا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ بِيَدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ عُمُومِ سُكْنَى الْمُطَلَّقَاتِ فَقَطْ.

وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ بِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بَيِّنَةٌ لِلنَّاسِ، وَيَأْتِي بِهِ لِمَا فِي هَذَا مِنْ عَظِيمِ الْوَعِيدِ فِي الْقُرْآنِ.

وَهَا هُنَا أَمْرٌ قَرِيبٌ جِدًّا - نَحْنُ قَدْ صَرَّحْنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ عِنْدَ عُمَرَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَتَمَهَا، وَلَمْ يَنُصَّهَا وَيُبَيِّنْهَا فَلْيُصَرِّحُوا بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْبِرْ بِنَصِّهَا النَّاسَ، حَتَّى يَرَوْا مَنْ مِنَّا الَّذِي يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَيُّنَا يُضِيفُ إلَى عُمَرَ مَا قَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا نَقْنَعُ مِنْهُمْ إلَّا بِالْقَطْعِ بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ مُدَّةَ الْعِدَّةِ.

وَأَمَّا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ بَيَّنَهُ، إذْ أَتَى بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ حُجَّةٌ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِيهَا {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١] {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] فَهَلْ يَشُكُّ أَحَدٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ خَاصَّةً؟ وَلَوْ ذُكِّرَ عُمَرُ بِذَلِكَ لَرَجَعَ كَمَا رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، إذْ مَنَعَ مِنْ أَنْ يَزِيدَ أَحَدٌ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>