للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمَا هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهُ عَصَبِيَّةً وَلَجَاجًا فِي الْبَاطِلِ.

وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قَوْلِهِ لَهَا " إنْ جِئْت بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا؟ وَلَوْ لَزِمَ هَذَا فَاطِمَةَ لَلَزِمَ عُمَرَ فِي كُلِّ مَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلَّ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا فَرْقَ.

فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يُمَوِّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَشْيَاءَ هُوَ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِهَا وَبُطْلَانِهَا - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ أَخْبَرَ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَقَالَ لَهُ إبْرَاهِيمُ: إنَّ عُمَرَ أُخْبِرَ بِقَوْلِهَا فَقَالَ: لَسْنَا بِتَارِكِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَعَلَّهَا أَوْهَمَتْ سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَهُمَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ؟ قُلْنَا: هَذَا مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسِنِينَ.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» .

وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْمَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَقُولُ لِلْمُطَلَّقَةِ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ، فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، بَلْ يَجِبُ اسْتِعْمَالُ ذَلِكَ مَعَ حَدِيثِ فَاطِمَةَ وَلَا بُدَّ، فَيُسْتَثْنَى الْأَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّ نَصٍّ ثَابِتٍ بَيِّنٍ إلَّا بِنَصٍّ ثَابِتٍ بَيِّنٍ، لَا بِمُشْكَلَاتٍ لَا تَصِحُّ وَبِمُجْمَلَاتٍ لَا بَيَانَ فِيهَا، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ عُمَرَ أَنْكَرَ عَلَى فَاطِمَةَ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ السَّاقِطَ لَا يَرْضَاهُ الْمَالِكِيُّونَ وَلَا الشَّافِعِيُّونَ.

وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ أَنَّ ابْنَ قُسَيْطٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ سِوَى ثَلَاثًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا؛ لِلْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ النَّفَقَةُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>