للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُنَا - سَوَاءٌ رَحَلَ الْأَبُ أَوْ لَمْ يَرْحَلْ - فَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ بِسُقُوطِ حَضَانَةِ الْأُمِّ مِنْ أَجْلِ رَحِيلِ الْأَبِ فَهُوَ شَرْعٌ بَاطِلٌ مِمَّنْ قَالَ بِهِ، وَتَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، وَمُخَالِفٌ لَهُمَا بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ وَسُوءُ نَظَرٍ لِلصَّغِيرَيْنِ وَإِضْرَارٌ بِهِمَا، فِي تَكْلِيفِ الْحَلِّ وَالتَّرْحَالِ وَالْإِزَالَةِ عَنْ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ - وَهَذَا ظُلْمٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَجَوْرٌ لَا شَكَّ فِيهِ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا - إنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَقُّ الْأُمِّ فِي الْحَضَانَةِ بِزَوَاجِهَا إذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً وَكَانَ الَّذِي تَزَوَّجَهَا مَأْمُونًا - فَلِلنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَلَمْ يَخُصَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - زَوَاجَهَا مِنْ غَيْرِ زَوَاجِهَا.

وَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ أَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي فَانْطَلَقَ بِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَنَسًا غُلَامٌ كَيِّسٌ فَلْيَخْدُمْك؟ قَالَ: فَخَدَمْته فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ» وَذَكَرَ الْخَبَرَ - فَهَذَا أَنَسٌ فِي حَضَانَةِ أُمِّهِ، وَلَهَا زَوْجٌ وَهُوَ أَبُو طَلْحَةَ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -

وَلَا فَرْقَ فِي النَّظَرِ وَالْحِيَاطَةِ بَيْنَ الرَّبِيبِ زَوْجِ الْأُمِّ وَالرَّبِيبَةِ زَوْجَةِ الْأَبِ، بَلْ فِي الْأَغْلَبِ الرَّبِيبُ أَشْفَقُ، وَأَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ الرَّبِيبَةِ، وَإِنَّمَا يُرَاعَى فِي كُلِّ ذَلِكَ الدِّينُ، ثُمَّ صَلَاحُ الدُّنْيَا فَقَطْ.

وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ «كَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَخَطَبَهَا عَمُّ وَلَدِهَا وَرَجُلٌ آخَرُ إلَى أَبِيهَا فَأَنْكَحَ الْآخَرَ، فَجَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: أَنْكَحَنِي أَبِي رَجُلًا لَا أُرِيدُهُ وَتَرَكَ عَمَّ وَلَدِي فَيَأْخُذُ مِنِّي وَلَدِي فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَبَاهَا فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي لَا نِكَاحَ لَكَ اذْهَبِي فَأَنْكِحِي عَمَّ وَلَدِكِ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مُرْسَلٌ وَفِيهِ مَجْهُولٌ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ - وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا

<<  <  ج: ص:  >  >>