وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ كَانَتْ مُطَلَّقَةً ثَلَاثًا، أَوْ أَتَمَّتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ بِوَضْعِهِ، فَلَيْسَ لَهَا عَلَى أَبِيهِ إثْرَ طَلَاقِهِ لَهَا ثَلَاثًا، أَوْ آخِرَ ثَلَاثٍ، أَوْ إثْرَ تَمَامِ عِدَّتِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ إلَّا أُجْرَةُ الرَّضَاعِ فَقَطْ.
فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] .
وَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ هَذَا النَّصَّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُطَلَّقَاتِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَقَطْ، بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ رَضِيَتْ هِيَ بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، فَإِنَّ الْأَبَ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ - أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ - وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ: أَنَا أَجِدُ مَنْ يُرْضِعُهُ بِأَقَلَّ أَوْ بِلَا أُجْرَةٍ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: ٦]
فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ الْأُجْرَةَ، إلَّا مَعَ التَّعَاسُرِ، وَالتَّعَاسُرُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ: فِعْلٌ مِنْ فَاعِلَيْنِ، فَإِذَا قَنَعَتْ هِيَ بِأُجْرَتِهَا الَّتِي أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا بِالْمَعْرُوفِ؟ فَلَمْ تُعَاسِرْهُ، وَإِذَا لَمْ تُعَاسِرْهُ: فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا فِي الْأُجْرَةِ الْمُؤْتَمِرَةِ بِالْمَعْرُوفِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا - فَإِنْ لَمْ تَرْضَ هِيَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهَا وَأَبَى الْأَبُ إلَّا أُجْرَةَ مِثْلِهَا، فَهَذَا هُوَ التَّعَاسُرُ، وَلِلْأَبِ حِينَئِذٍ أَنْ يَسْتَرْضِعَ لِوَلَدِهِ غَيْرَهَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهَا، أَوْ بِأَقَلَّ، أَوْ بِلَا أُجْرَةٍ إنْ وَجَدَ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا - إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَ ثَدْيِهَا، أَوْ لَا يَجِدَ الْأَبُ إلَّا مَنْ لَبَنُهَا مُضِرٌّ بِالرَّضِيعِ، أَوْ مَنْ تُضَيِّعُهُ، أَوْ كَانَ الْأَبُ لَا مَالَ لَهُ: فَتُجْبَرُ الْأُمُّ حِينَئِذٍ عَلَى إرْضَاعِهِ، وَتُجْبَرُ هِيَ وَالْوَالِدُ حِينَئِذٍ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهَا، إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطلاق: ٦] {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: ٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute