تَقُولُ: إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُوِيَ عَنْ ذَلِكَ الصَّاحِبِ خِلَافُ مَا رَوَى، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، قَالُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ -:
مِنْهَا - مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ أَنَّهُ يُعْتَقُ فِي عِتْقِهَا وَيُرَقُّ فِي رِقِّهَا - فَادَّعُوا أَنَّ هَذَا خِلَافٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاعَ مُدَبَّرًا» .
وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَيْسَ خِلَافًا لِمَا رُوِيَ، بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ يُرَقُّ بِرِقِّهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا عَائِشَةُ وَحْدَهَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا خِلَافُهُ، فَأَخَذُوا بِرِوَايَتِهَا وَتَرَكُوا رَأْيَهَا، وَلَمْ يَقُولُوا: لَمْ تُخَالِفْهُ إلَّا لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُنَّ، وَقَالُوا: لَا نَدْرِي لِأَيِّ مَعْنًى لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا عَجَبًا جِدًّا يَثْبُتُ عَنْهَا، كَمَا أَرَدْنَا: أَنَّهُ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِي بَكْرٍ، وَنِسَاءُ إخْوَتِهَا، وَنِسَاءُ بَنِي إخْوَتِهَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا، وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهَا، فَهَلْ هَاهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَيْهِ؟ إلَّا أَنَّ الَّذِينَ أَذِنَتْ لَهُمْ رَأَتْهُمْ ذَوِي مَحْرَمٍ مِنْهَا، وَأَنَّ الَّذِينَ لَمْ تَأْذَنْ لَهُمْ لَمْ تَرَهُمْ ذَوِي مَحْرَمٍ مِنْهَا - وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَحْيُونَ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ، وَمُدَافَعَةِ الْحَقِّ بِكُلِّ مَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَثٍّ وَرَثٍّ - وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْتَجِبَ مِمَّنْ شَاءَتْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا؟ فَقُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ لَهَا إلَّا أَنَّ تَخْصِيصَهَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِالِاحْتِجَابِ عَنْهُمْ مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِيهَا، وَنِسَاءُ إخْوَتِهَا، وَنِسَاءُ بَنِي أَخَوَاتِهَا، دُونَ مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا، وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهَا، لَا يُمْكِنُ إلَّا لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، لَا سِيَّمَا مَعَ تَصْرِيحِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - وَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهَا - بِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لَا يُحَرِّمُ، وَأَفْتَى الْقَاسِمُ بِذَلِكَ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُ أَقْوَالِهِمْ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَعَهْدُنَا بِالطَّائِفَتَيْنِ تَعْتَرِضُ كِلْتَاهُمَا عَنْ الْخَبَرِ الثَّابِتِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى رَضَاعِ سَالِمٍ بِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَجِئْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ - فَظَهَرَ أَيْضًا تَنَاقُضُهُمْ هَاهُنَا.
وَعَهْدُنَا بِالطَّائِفَتَيْنِ تَقُولَانِ: إنَّ مَا كَثُرَ بِهِ الْبَلْوَى لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ، وَرَامُوا بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ: مِنْ أَنَّ الْبَيِّعَيْنِ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَلَبَنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute