للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَقَتْنِي امْرَأَةٌ مِنْ لَبَنِهَا بَعْدَ مَا كُنْت رَجُلًا كَبِيرًا أَفَأَنْكِحُهَا؟ قَالَ عَطَاءٌ: لَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فَقُلْتُ لَهُ: وَذَلِكَ رَأْيُك؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بِذَلِكَ بَنَاتِ أَخِيهَا - وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَزُفَرَ، وَمَالِكٍ، فَلَا خَفَاءَ بِفَسَادِهَا، إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ فِي النَّهَارِ: إنَّهُ لَيْلٌ، مُكَابَرَةً وَنَصْرًا لِلْبَاطِلِ.

وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَفْتُونِينَ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: ٢٣٣] دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَاهُنَا حَوْلَيْنِ نَاقِصَيْنِ، وَأَشَارَ إلَى عَدَدِهَا بِالشَّمْسِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَجَمَعَ هَذَا الْقَوْلُ مُخَالَفَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمُكَابَرَةَ الْحِسِّ: أَمَّا مُخَالَفَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّهُ يَقُولُ: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: ٣٦] .

فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَهُ هِيَ الَّتِي مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، وَأَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ إلَّا فِي الْأَشْهُرِ الْعَرَبِيَّةِ الْقَمَرِيَّةِ، فَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفَ الدِّينَ الْقَيِّمَ، وَنَسَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْكَذِبَ مِنْ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُرَاعَى عَدَدَ الْحَوْلَيْنِ بِالْعَجَمِيَّةِ.

وَأَمَّا مُكَابَرَةُ الْعِيَانِ - فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْحَوْلَيْنِ الْأَعْجَمِيَّيْنِ الْمَعْدُودَيْنِ بِالشَّمْسِ وَقَطْعِهِمَا لِلْفُلْكِ وَبَيْنَ الْحَوْلَيْنِ الْعَرَبِيَّيْنِ الْمَعْدُودَيْنِ بِالْقَمَرِ إلَّا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، فَالزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ إلَى تَمَامِ شَهْرَيْنِ لَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَتَتْ، وَالْقَطْعُ بِالتَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ هَذَا لَا يَحِلُّ.

وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِمَا كَانَ فِي الْمَهْدِ - فَكَلَامٌ أَيْضًا لَا تَقُومُ بِصِحَّتِهِ حُجَّةٌ لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.

وَأَمَّا مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ - فَإِنَّ الصِّغَرَ يَتَمَادَى إلَى بُلُوغِ الْحُلُمِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَا تَلْزَمُهُ الْحُدُودُ، وَلَا الْفَرَائِضُ - وَهَذَا حَدٌّ لَا يُوجِبُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>