للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ - وَإِلَيْهِ رَجَعَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ -.

رُوِّينَا ذَلِكَ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الذِّمِّيِّ، وَالْمُعَاهِدِ، فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ - فَسَقَطَ بِيَقِينٍ.

وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَرَّةِ، وَبَيْنَ الْإِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ، لَا حُجَّةَ لَهُمْ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ ثَابِتَةٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ.

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ - فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْغِيلَةِ وَغَيْرِهَا - وَكَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا قَتَلْنَاهُ لِلْحِرَابَةِ؟ فَقُلْنَا: أَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِالتَّرْتِيبِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ، وَلَوْ قُلْتُمُوهُ لَكُنْتُمْ مُتَنَاقِضِينَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِمَّنْ قَالَ بِالتَّرْتِيبِ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الْمُحَارِبُ إنْ قُتِلَ فِي حِرَابَةٌ، مَنْ لَا يُقْتَلُ بِهِ إنْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ، وَأَنْتُمْ لَا تَقْتُلُونَ الْمُسْلِمَ بِالذِّمِّيِّ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ - فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا التَّقْسِيمِ بِيَقِينٍ.

وَأَمَّا الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ الْمَالِكِيِّينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِتَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِي قَتْلِ الْمُحَارِبِ، أَوْ صَلْبِهِ، أَوْ قَطْعِهِ، أَوْ نَفْيِهِ - فَمِنْ أَيْنَ أَوْجَبُوا قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِالذِّمِّيِّ - وَلَا بُدَّ - فِي الْحِرَابَةِ وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِيهِ - فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ثُمَّ نَظَرْنَا - فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ، وَبِالْمُعَاهَدِ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: ٤٥] قَالُوا: هَذَا عُمُومٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>