قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُلُّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ خَالِدًا لَمْ يَقْتُلْ بَنِي جَذِيمَةَ إلَّا مُتَأَوِّلًا أَنَّهُمْ كُفَّارٌ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَنْ قَوْلَهُمْ: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا - إسْلَامٌ صَحِيحٌ، وَكَذَلِكَ أُسَامَةُ بِلَا شَكٍّ، وَحَسْبُك بِمُرَاجَعَتِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، وَقَوْلِهِ: إنَّمَا قَالَهَا مِنْ خَوْفِ السِّلَاحِ - وَهُوَ وَاَللَّهِ الثِّقَةُ الصَّادِقُ الَّذِي ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إلَّا مَا فِي نَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ السَّرِيَّةُ الَّتِي أَسْرَعَتْ بِالْقَتْلِ فِي خَثْعَمَ وَهُمْ مُعْتَصِمُونَ بِالسُّجُودِ، وَإِذْ هُمْ مُتَأَوِّلُونَ فَهُمْ قَاتِلُو خَطَأٍ بِلَا شَكٍّ، فَسَقَطَ الْقَوَدُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيهِمْ فَوَجَدْنَاهُمْ كُلَّهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فِي قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَسَقَطَتْ الدِّيَةُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْكَفَّارَةُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ ضَرُورَةً: إمَّا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَهُمْ بِهَا فَسَكَتَ الرَّاوِي عَنْ ذَلِكَ.
وَإِمَّا أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: ٩٢] لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ إلَّا الِاسْتِغْفَارُ وَالدُّعَاءُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَطْ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقُولُ مُتَأَوِّلًا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ فِعْلِهِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَدْ بَرِئَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ كُلِّ خَطَأٍ خَالَفَ الْحَقَّ، وَنَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فَاعِلُهُ مَأْجُورًا أَجْرًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَبْرَأْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ خَالِدٍ قَطُّ، إنَّمَا بَرِئَ مِنْ فِعْلِهِ، وَهَكَذَا نَقُولُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ كُلِّ تَأْوِيلٍ أَخْطَأَ فِيهِ الْمُتَأَوِّلُ، وَلَا نَبْرَأُ مِنْ الْمُتَأَوِّلِ - وَلَوْ بَرِئَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ خَالِدٍ لَمَا أَمَرَهُ بَعْدَهَا - فَصَحَّ قَوْلُنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute