للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْعَمْدُ: مَا كَانَ بِسِلَاحٍ، وَفِيهِ الْقَوَدُ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا - وَشِبْهُ الْعَمْدِ: هُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصًا أَوْ سَوْطٍ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَيَمُوتَ، أَوْ يُحْدِدَ عُودًا أَوْ عَظْمًا فَيَجْرَحَ بِهِ بَطْنَ آخَرَ - فَهَذَا لَا قَوَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عِنْدَهُ شِبْهُ عَمْدٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَوَدَ إلَّا فِيمَا قَتَلَ بِحَدِيدَةٍ بِقَطْعٍ، أَوْ بِلِيطَةِ قَصَبٍ، أَوْ أَحْرَقَهُ فِي النَّارِ حَتَّى مَاتَ.

وَلَوْ خَنَقَهُ حَتَّى يَمُوتَ فَلَا قَوَدَ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخْنُقَ النَّاسَ مِرَارًا فَيُقَادُ مِنْهُ.

فَلَوْ شَدَخَ رَأْسَهُ عَمْدًا بِحَجَرٍ عَظِيمٍ حَتَّى يَمُوتَ، أَوْ غَرَّقَهُ فِي مَاءٍ بَعِيدِ الْقَعْرِ فِي نَهْرٍ أَوْ بَحْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ بِرْكَةٍ حَتَّى مَاتَ، أَوْ ضَرَبَهُ بِخَشَبَةٍ ضَخْمَةٍ أَبَدًا حَتَّى مَاتَ، أَوْ فَتَحَ فَمَه كُرْهًا وَرَمَى فِي حَلْقِهِ سُمًّا قَاتِلًا فَمَاتَ، فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ - وَإِنَّمَا فِيهِ الدِّيَةُ، كَدِيَةِ الْعَمْدِ.

كَمَا رُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الزِّنَادِ، عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي مَالِهِ الْكَفَّارَةُ كَقَتْلِ الْخَطَإِ.

قَالَ: فَلَوْ هَدَمَ عَلَيْهِ هَدْمًا فَمَاتَ عَامِدًا لِذَلِكَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ حَيًّا حِينَ الْهَدْمِ، فَفِيهِ حِينَئِذٍ الدِّيَةُ، وَالْكَفَّارَةُ - وَنَرَى قَوْلَهُ كَذَلِكَ: فِيمَنْ طَمَسَ عَلَيْهِ بَيْتًا حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَجَهْدًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ تَأَمَّلَهُ عَلِمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكُلِّ خَبَرٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ، وَلِقَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، إلَّا الرِّوَايَةَ السَّاقِطَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَبَا الزِّنَادِ، وَخَالَفَهُ فِي صِفَةِ شِبْهِ الْعَمْدِ، مَا نَعْلَمُ مُصِيبَةً، وَلَا فَضِيحَةً عَلَى الْإِسْلَامِ أَشَدَّ مِمَّنْ لَمْ يَرَ الْقَوَدَ فِيمَنْ يَقْتُلُ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّخْرِ، وَالتَّغْرِيقِ، وَالشَّدْخِ بِالْحِجَارَةِ - ثُمَّ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَلَا غَرَامَةَ؟ بَلْ تُكَلَّفُ الدِّيَاتِ فِي ذَلِكَ عَاقِلَتُهُ مَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>