وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو لَيْلَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمْ، فَأَتَى مُحَيِّصَةُ، فَأَخْبَرَ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي عَيْنٍ أَوْ فَقِيرٍ فَأَتَى يَهُودَ؟ فَقَالَ: أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالُوا: وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ - فَذَكَرَ الْخَبَرَ، وَفِي آخِرِهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذِنُوا بِحَرْبٍ فَذَكَرَ كَلَامًا، وَفِي آخِرِهِ «فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَ عَلَيْهِمْ الدَّارَ، فَلَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَصَحَّ أَنَّ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَهَذَا حُكْمٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي دِيَةِ حَضَرِيٍّ ادَّعَى عَلَى حَضَرِيِّينَ، لَا فِي بَدْوِيٍّ، فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ.
وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُتَيَقَّنٌ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي هَلْ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَالشَّرِيعَةُ لَا يَحِلُّ أَخْذُهَا بِاخْتِلَافٍ لَا نَصَّ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ إعْطَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدِّيَةَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَلَمْ يَدَّعِ الْقَتْلَ إلَّا عَلَى يَهُودٍ؟ قُلْنَا: وَجْهُ ذَلِكَ بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ صَحَّ قَتْلُهُ بِلَا شَكٍّ، ثُمَّ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قُتِلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي الْخَطَأِ بِكُلِّ حَالٍ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَوَاجِبَةٌ فِي الْعَمْدِ إذَا بَطَلَ الْقَوَدُ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ لِوَلِيِّهِ الْقَوَدَ وَقَدْ بَطَلَ، أَوْ الدِّيَةُ وَهِيَ مُمْكِنَةٌ، وَالْقَوَدُ هَاهُنَا قَدْ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ فَصَحَّتْ الدِّيَةُ فِيهِ بِكُلِّ حَالٍ.
ثُمَّ لَا بُدَّ - ضَرُورَةً - مِنْ أَنْ يَكُونَ قَاتِلُهُ مُسْلِمًا أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ، وَلَسْنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ قَاتِلَهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ، وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مَحْمُولُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يَصِحَّ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ كُفْرٌ.
لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute