قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَمَّا مَنْ اقْتَصَرَ بِالدِّيَةِ عَلَى الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ فَقَطْ، وَلَمْ يَرَهَا فِي بَقَرٍ، وَلَا غَنَمٍ، وَلَا حُلَلٍ، فَإِنَّهُمْ شَغَبُوا فِي ذَلِكَ، بِأَنْ قَالُوا: قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الدِّيَةِ تَكُونُ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ.
فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهَا تَوْقِيفٌ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ أَبْدَالًا، إذْ لَوْ كَانَتْ أَبْدَالًا لَوَجَبَ أَنْ تُرَاعَى قِيمَةُ الْإِبِلِ - فَتَزِيدَ وَتَنْقُصَ - وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ بَقَرٍ، أَوْ مِنْ غَنَمٍ، أَوْ مِنْ حُلَلٍ، وَلَمْ تَجِبْ أَنْ تَكُونَ دِيَةٌ إلَّا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ، وَمَا أَجْمَعُوا قَطُّ، عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَا تَكُونُ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَا مِنْ ذَهَبٍ، وَلَا مِنْ غَيْرِ الْإِبِلِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَطَاوُسٍ، وَعَطَاءٍ، وَقَوْلَهُمَا: إنَّ الدَّنَانِيرَ، وَالدَّرَاهِمَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا تَكُونُ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ، وَقَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ قِيمَةِ الْإِبِلِ فِي قَوْلِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، فَبَطَلَ بِذَلِكَ دَعْوَاهُمْ الْكَاذِبَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا.
بَلْ الْحَقُّ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ، وَالنَّصُّ الثَّابِتُ: أَنَّ الدِّيَةَ تَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ - وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ -: وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ الدِّيَةُ إلَّا مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَقَطْ.
وَمَوَّهُوا أَيْضًا - بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الدِّيَةُ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْوِيمِ، وَكَانَتْ الْقِيمَةُ الْمَعْهُودَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: وَجَبَ أَنْ لَا تَكُونَ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: هَذَا الْبَاطِلُ الثَّانِي يُكَذِّبُ بَاطِلَهُمْ الَّذِي مَوَّهُوا قَبْلَ هَذَا بِهِ؛ لِأَنَّ هُنَالِكَ رَامُوا أَنْ يَجْعَلُوا الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ، فِي الدِّيَةِ تَوْقِيفًا لَا بَدَلًا بِقِيمَةٍ، وَهُنَا أَقَرُّوا أَنَّهَا بَدَلٌ بِقِيمَةٍ، فَلَوْ اسْتَحَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالتَّخْلِيطِ فِي نَصْرِ الْبَاطِلِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ.
ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إذْ قَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّهَا بَدَلٌ بِقِيمَةٍ فَهِيَ عَلَى قَدْرِ ارْتِفَاعِ الْقِيمَةِ وَانْخِفَاضِهَا، وَلَا نَدْرِي أَيَّ شَيْءٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ فِي الْبَدَلِ وَالتَّقْوِيمِ؟ .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute