وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: قَدْ صَحَّ إجْمَاعُنَا عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَأَفَكْتُمْ - قَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ الدِّيَةَ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَإِنْ قُلْتُمْ: هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَعَنْ الْحَجَّاجِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ؟ قُلْنَا: وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَائِرُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ، أَوْ ضَعِيفٌ - كَمَا بَيَّنَّا قَبْلُ وَلَا فَرْقَ -.
وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ صَحَّ أَنَّ الدِّينَارَ فِي الزَّكَاةِ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الدِّيَةِ كَذَلِكَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: قُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَأَفَكْتُمْ؛ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى وَشَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنَ بْنَ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيَّ، وَغَيْرَهُمْ، لَا يَرَوْنَ جَمْعَ الْفِضَّةِ إلَى الذَّهَبِ فِي الزَّكَاةِ أَصْلًا، وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ غَيْرَ حَبَّةٍ، وَمِائَتَا دِرْهَمٍ فِضَّةٍ غَيْرَ حَبَّةٍ، وَأَقَامَ كُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ حَوْلًا كَامِلًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ أَبُو حَنِيفَةَ - الَّذِي قَلَّدْتُمُوهُ دِينَكُمْ - لَا يَرَى جَمْعَ الذَّهَبِ إلَى الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ إلَّا بِالْقِيمَةِ - بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ - وَلَوْ أَنَّهَا دِرْهَمٌ بِدِينَارٍ، أَوْ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِدِينَارٍ.
وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَغَيْرُهُمْ: يُزَكُّونَ الذَّهَبَ بِقِيمَةٍ مِنْ الْفِضَّةِ - بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ -.
فَظَهَرَتْ جُرْأَتُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ مَقَامِهِمْ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ - فَتَنَاقَضُوا هَاهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ بِلَا بُرْهَانٍ، إذْ قَدَّرُوا دِينَارَ الدِّيَةِ، وَدِينَارَ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَدِينَارَ الصَّدَاقِ - بِرَأْيِهِمْ - بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا - وَقَدَّرُوا دِينَارَ الزَّكَاةِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ؟ وَهَذَا تَلَاعُبٌ لَا خَفَاءَ بِهِ، وَشَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى.
وَاسْتَدْرَكْنَا اعْتِرَاضًا لِلْحَنَفِيَّيْنِ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ كَانَتْ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ أَبْدَالًا مِنْ الْإِبِلِ لَكَانَتْ دَيْنًا بِدَيْنٍ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَضَى بِهَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؟ قُلْنَا: وَعُمَرُ قَضَى بِالدِّيَةِ حَالَّةً فِي قِصَّةِ الْمُدْلِجِيِّ الَّتِي هِيَ أَصَحُّ عَنْهُ مِنْ تَوْقِيتِهِ فِيهَا ثَلَاثَ سِنِينَ - فَمَا الَّذِي جَعَلَ رِوَايَةً لَا تَصِحُّ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةٍ عَنْهُ أُخْرَى؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute