وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَصَحَّ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْخَطَأَ كُلَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، لَا جُنَاحَ عَلَى الْإِنْسَانِ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ.
فَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنْ لَا يُوجَبَ عَلَى أَحَدٍ حُكْمٌ فِي جِنَايَةٍ خَطَأً إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ صَحِيحٌ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ.
وَصَحَّ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ غَرَامَةٌ فِي عَمْدٍ وَلَا فِي خَطَأٍ إلَّا أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ نَصٌّ صَحِيحٌ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقِّن، وَإِلَّا فَالْأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ وَالْغَرَامَةُ سَاقِطَةٌ، لِمَا ذَكَرْنَا
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَتْلِ النَّفْسِ خَطَأً الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَتَحْرِيرَ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ - فَإِذَا كَانَ حُكْمُ النَّفْسِ فِي الْخَطَأِ تَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ فَمَا دُونَهَا فِي الْخَطَأِ كَذَلِكَ تَجِبُ أَيْضًا؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهُ خَطَأٌ فِي الْقِيَاسِ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ: أَنْتُمْ أَصْحَابُ تَعْلِيلٍ، فَمَاذَا تَقُولُونَ لِمَنْ قَالَ لَكُمْ عَلَى أُصُولِكُمْ: إنَّ النَّفْسَ لَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهَا بَعْدَ الشِّرْكِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلِذَلِكَ عَظُمَ أَمْرُهَا، وَجُعِلَ فِي الْخَطَأِ فِيهَا كَفَّارَةٌ - وَإِنْ كَانَ لَا ذَنْبَ لِقَاتِلِ النَّفْسِ خَطَأً بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا مَا دُونَ النَّفْسِ فَلَيْسَ لَهُ عِظَمُ النَّفْسِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا حُرْمَتُهَا، فَلَا يَجِبُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يَجِبُ فِي النَّفْسِ، إذْ لَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ الْعِلَّةُ الَّتِي فِي النَّفْسِ.
وَالثَّانِي: أَنَّكُمْ قَدْ نَقَضْتُمْ هَذَا الْقِيَاسَ وَتَرَكْتُمُوهُ جُمْلَةً، فَفِي بَعْضِ الْجِنَايَاتِ جَعَلْتُمْ دِيَاتٍ مُؤَقَّتَةٍ، وَفِي بَعْضِهَا لَمْ تَجْعَلُوا دِيَةً أَصْلًا، إلَّا إمَّا حُكُومَةٌ، وَإِمَّا أَجْرُ الطَّبِيبِ، وَإِمَّا لَا شَيْءَ، وَهَذَا نَقْضٌ مِنْكُمْ لِقِيَاسِكُمْ مَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى النَّفْسِ، وَلَا قِيَاسَ أَفْسَدُ مِنْ قِيَاسٍ نَقَضَهُ الْقَائِلُونَ بِهِ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّمَا أَوْجَبْنَا دِيَةً مُؤَقَّتَةً حَيْثُ جَاءَ نَصٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute