خَطَأً، قِيَاسًا عَلَى قَتْلِ الْمُؤْمِنِ خَطَأً وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَنَا، فَإِذَا كَانَتْ عِلَّتُكُمْ غَيْرَ مُطَّرِدَةٍ فَالْقِيَاسُ عَلَى أُصُولِكُمْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهَا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ دِيَةٌ، لَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَلَا لِضَمَانِ الْأَمْوَالِ فِي الْخَطَأِ بِنَصٍّ مُلْتَزَمٍ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] . قَالُوا: وَالْجِرَاحُ وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَهِيَ سَيِّئَةٌ فَجَزَاؤُهَا مِثْلُهَا، وَالسَّيِّئَةُ الْمُمَاثِلَةُ قَدْ تَكُونُ بِغَرَامَةِ الْمَالِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَوَدٌ كَانَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِالْغَرَامَةِ؟
قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] فَحَقٌّ، وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: إنَّ جِنَايَةَ الْخَطَأِ سَيِّئَةٌ فَبَاطِلٌ، مَا السَّيِّئَةُ إلَّا مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَلَيْسَ الْخَطَأُ مِمَّا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ أَحَدٍ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ فِعْلِ الْخَطَأِ الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْهُ وَلَا قَصَدَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اجْتَمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى ضَمَانِ مَا أُتْلِفَ مِنْ الْأَمْوَالِ بِالْخَطَأِ وَبِالْعَمْدِ، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ ضَمَانِ الْجِنَايَاتِ فِي الْأَمْوَالِ وَبَيْنَ ضَمَانِ الْجِنَايَاتِ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحَاتِ؟ قُلْنَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -: إنَّ هَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ صَحَّ عَلَى إبْطَالِ هَذَا الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا فِي تَضْمِينِ كُلِّ مَا أُصِيبَ مِنْ الْأَمْوَالِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَالْجِرَاحَاتِ إذْ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ كَثِيرًا مِنْهَا لَيْسَ فِيهِ تَضْمِينٌ بِدِيَةٍ مُؤَقَّتَةٍ [مَحْدُودَةٍ] وَكُلُّ قِيَاسٍ لَمْ يَطَّرِدْ فِي نُظَرَائِهِ، وَكُلُّ عِلَّةٍ لَمْ تَجْرِ فِي مَعْلُولَاتِهَا فَهُمَا خَطَأٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ، وَأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ مُدْرَكَةٌ مَضْمُونَةٌ مَعْرُوفَةٌ، إمَّا بِالْقِيمَةِ وَإِمَّا بِالْكَيْلِ، وَإِمَّا بِالْوَزْنِ، وَإِمَّا بِالذَّرْعِ، وَإِمَّا بِالصِّفَةِ، وَلَا تُدْرَكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute