فَهُوَ دِيَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ شَيْئًا مُؤَقَّتًا مَحْدُودًا، وَكَانَ قَدْ تَرَاضَوْا بِهِ فِي تَرْكِ الْقِصَاصِ الْوَاجِبِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " بَابِ دِيَةِ الْمُكَاتَبِ " فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ بِمِقْدَارِ مَا أَدَّى دِيَةَ حُرٍّ، وَبِمِقْدَارِ مَا لَمْ يُؤَدِّ دِيَةَ عَبْدٍ، فَسَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُعْطَى مِنْ قَتْلِ عَبْدٍ دِيَةً - وَهُوَ مُخْتَلِفُ الْمِقْدَارِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ.
فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّ الَّذِي جَرَحَتْهُ الرُّبَيِّعُ قَدْ أَخَذَ مَالًا بَدَلَ اقْتِصَاصِهِ مِنْ الْجُرْحِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ: أَنَّ الَّذِي أُخِذَ كَانَ عَدَدًا مُؤَقَّتًا مَحْدُودًا فِي ذَلِكَ الْجُرْحِ، فَإِذْ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ وَثَلْجٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي تِلْكَ الْجِرَاحَةِ دِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ، لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ، وَكَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِي جِرَاحَةٍ مَا دُونَ جِرَاحَةٍ أُخْرَى، لَمَا طَمَسَ اللَّهُ تَعَالَى عَنَّا ذَلِكَ وَلَا عَفَى أَثَرَهُ حَتَّى لَا يَنْقُلَهُ أَحَدٌ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَقَدْ تَكَفَّلَ بِأَنَّهُ حَافِظٌ لِلذِّكْرِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ الْوَحْيُ الَّذِي لَا يَنْطِقُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّرِيعَةِ إلَّا مِنْهُ
فَصَحَّ أَنَّ تِلْكَ الدِّيَةَ الَّتِي أَخَذَ الَّذِي جَرَحَتْ الرُّبَيِّعُ كَانَ فِدَاءً عَنْ الْقِصَاصِ فَقَطْ، وَبِهَذَا نَقُولُ - فَوَضَحَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إلَّا أَنَّ الْقَوَدَ جَائِزٌ فِي كُلِّ جِرَاحَةٍ، وَفِي كَسْرِ السِّنِّ، وَأَنَّ الْمُفَادَاةَ فِي كُلِّ ذَلِكَ جَائِزَةٌ بِمَا تَرَاضَيَا بِهِ عَلَيْهِ - الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيُّهُ وَالْجَانِي - لِأَنَّ الْقَوْلَ فِي الدِّيَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَا ذَكَرْنَا - وَأَمَّا حَدِيثُ حُمَيْدٍ فِي كَسْرِ السِّنِّ فَإِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُمْ رَضُوا بِأَرْشٍ أَخَذُوهُ فَقَطْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ -.
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ نا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد بْنِ سُفْيَانَ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ أَبَا جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ مُصَدِّقًا فَلَاجَّهُ رَجُلٌ فِي صَدَقَتِهِ فَضَرَبَهُ أَبُو جَهْمٍ فَشَجَّهُ فَأَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا: الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكُمْ كَذَا وَكَذَا، فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالُوا: الْقَوَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكُمْ كَذَا وَكَذَا؟ فَلَمْ يَرْضَوْا، فَقَالَ: لَكُمْ كَذَا وَكَذَا، فَرَضُوا، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي خَاطِبٌ الْعَشِيَّةَ عَلَى النَّاسِ فَمُخْبِرُهُمْ بِرِضَاكُمْ، قَالُوا: نَعَمْ، فَخَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّ هَؤُلَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute