وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَفْقَأُ عَيْنَ الْأَعْوَرِ قَالَ: مَا أَنَا فَقَأْت عَيْنَهُ الْأُخْرَى فِيهَا نِصْفُ الدِّيَةِ.
وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ نِصْفُ الدِّيَةِ، [وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ تُفْقَأُ عَيْنُهُ خَطَأً قَالَ: نِصْفُ الدِّيَةِ] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَوْلُنَا فِي الْعَيْنِ هُوَ قَوْلُنَا فِي السِّنِّ سَوَاءً سَوَاءً، وَأَنَّهُ إنَّمَا جَاءَتْ فِي دِيَةِ الْعَيْنِ بِالْخَطَأِ آثَارٌ، وَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ.
وَأَمَّا قَوْلُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَبَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَعَنْ نَفَرٍ مِنْ التَّابِعِينَ نَحْوَ الْعَشَرَةِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ بِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ إلَّا غَافِلٌ، أَوْ مُسْتَسْهِلٌ لِلْكَذِبِ وَالْقَطْعِ بِمَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ فَإِنْ صَحَّ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ فِي دِيَةِ الْعَيْنِ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ بِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ حَصَلْنَا عَلَى السَّلَامَةِ، فَالْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ فِي هَذَا بَعِيدٌ مُمْتَنِعٌ أَنْ يُوجَدَ فِي مِثْلِ هَذَا، لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ حُجَّةٌ مِنْ حُجَجِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَيَقَّنَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي قَدْ قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا الْعُذْرَ، وَأَبَانَ بِهَا الْحُجَّةَ، وَحَسَمَ فِيهَا الْعِلَّةَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَسْتَتِرُ عَلَى أَهْلِ الْبَحْثِ، وَالْحَقَائِقُ لَا تُؤْخَذُ بِالدَّعَاوَى، فَإِذْ لَا إجْمَاعَ فِي ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ فِي الْخَطَأِ شَيْءٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَنَّ فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةَ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِمَا جَاءَ وَصَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ تَنَاقَضَ فِي الْقِيَاسِ.
وَالْعَجَبُ - أَنَّ قَوْلًا يَنْسُبُهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ الْقِيَاسَ أَقْوَى مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ، ثُمَّ هَاهُنَا قَدْ تَرَكَ الْقِيَاسَ الَّذِي لَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الْعَالَمِ لَكَانَ هَذَا هُوَ ذَلِكَ الَّذِي يَصِحُّ وَهُوَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ سَمْعِ امْرِئٍ لَا يَسْمَعُ إلَّا بِأُذُنٍ وَاحِدَةٍ وَيَدِ إنْسَانٍ أَقْطَعَ وَرِجْلِ أَقْطَعَ فَلَمْ يَرَ فِي كُلِّ ذَلِكَ إلَّا نِصْفَ الدِّيَةِ، وَرَأَى فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ الدِّيَةَ كَامِلَةً، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا فِي هَذَا إجْمَاعًا، لِأَنَّ فِي هَذَا اخْتِلَافًا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute