وَقَالَ تَعَالَى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ ضَارِعِينَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي أَنْ يُلِيحَ لَنَا الْحَقَّ فِي ذَلِكَ، فَلَا هُدًى إلَّا مِنْ قِبَلِهِ تَعَالَى، فَابْتَدَأْنَا بِالْعَمْدِ، فَوَجَدْنَا النَّاسَ مُخْتَلِفِينَ.
فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: لَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ إلَّا الْقَوَدُ فَقَطْ، وَلَا دِيَةَ هُنَالِكَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِيهِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ.
فَوَجَدْنَا الِاخْتِلَافَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ فِي ذَلِكَ - ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ نَجِدْ إجْمَاعًا مُتَيَقَّنًا عَلَى وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ.
ثُمَّ وَجَدْنَا الْقَائِلِينَ بِالدِّيَةِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفِينَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ: فَطَائِفَةٌ قَالَتْ: هِيَ فِي مَالِ الْجَانِي.
وَطَائِفَةٌ قَالَتْ: هِيَ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَلَمْ نَجِدْ إجْمَاعًا مِنْهُمْ أَيْضًا فِي هَذَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلْزَمَ الْجَانِي غَرَامَةً لَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، بَلْ قَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْجُنَاحَ بِيَقِينٍ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا - أَنْ تُلْزَمَ عَاقِلَتُهُ غَرَامَةً فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلَا إجْمَاعٍ، بَلْ النَّصُّ مُسْقِطٌ عَنْهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] .
فَبَطَلَ بِيَقِينٍ أَنْ يَجِبَ فِي الْخَطَأِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، لِأَنَّهُ لَا نَصَّ يُبَيِّنُ هَذِهِ الْعَشَرَةَ عَلَى مَنْ هِيَ؟ وَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ النَّصُّ، وَلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْ هِيَ، فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى يُلْزَمُ غَرَامَةً مَنْ لَا يُبَيِّنُ لَنَا مَنْ هُوَ الْمُلْزَمُ إيَّاهَا؟ هَذَا أَمْرٌ نَقْطَعُ وَنَبُتُّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَفْعَلْ بِنَا ذَلِكَ قَطُّ وَهُوَ تَعَالَى الْقَائِلُ مُتَفَضِّلًا عَلَيْنَا {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وَالْآمِرُ تَعَالَى لَنَا إذْ يَقُولُ: {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: ٢٨٦]- إلَى قَوْله تَعَالَى - {مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: ٢٨٦]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute