للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ تَذْهَبْ نَفْسُهُ بَعْدُ، لِأَنَّ الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ عِوَضٌ مِنْهَا، فَلَمْ يَجِبْ بَعْدُ شَيْءٌ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيمَا لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي عَقْلٍ أَنَّ الْقَوَدَ لَا يَجِبُ، وَلَا الدِّيَةُ، إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهُوَ إذَا لَمْ يَمُتْ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ عَلَى الْقَاتِلِ لَا قَوَدٌ، وَلَا دِيَةٌ، وَلَا عَلَى الْعَاقِلَةِ.

وَبِيَقِينٍ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ بَعْدُ، فَإِذَا وَجَبَ كُلُّ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ فَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ لِلْأَهْلِ لَا لَهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِلْمَقْتُولِ خَطَأً، أَوْ عَمْدًا: عَفْوٌ، أَوْ حُكْمٌ، أَوْ وَصِيَّةٌ فِي الْقَوَدِ، أَوْ فِي الدِّيَةِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ مَالٌ لِلْأَهْلِ حَدَثَ لَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَمْ يَرِثُوهُ قَطُّ عَنْهُ، إذْ لَمْ يَجِبْ لَهُ قَطُّ شَيْءٌ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقْضَى دَيْنُهُ مِنْ مَالِ الْوَرَثَةِ الَّذِي لَمْ يَمْلِكْهُ هُوَ قَطُّ فِي حَيَاتِهِ، وَأَنْ يُنَفَّذَ فِيهِ وَصِيَّتُهُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا وَجَبَ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ مَوْتِهِ، فَهُوَ كَمَالِ مَوْلًى لَهُ مَاتَ إثْرَ مَوْتِهِ، فَوَجَبَ لِلْوَرَثَةِ مِنْ أَجْلِ الْمَيِّتِ، وَلَمْ يَجِبْ لِلْمَيِّتِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ عَفَا الْوَرَثَةُ أَوْ أَحَدُهُمْ عَنْ نَصِيبِهِ مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ، أَوْ عَفَوْا كُلُّهُمْ عَنْ الْقَوَدِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ، فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُمْ بَعْدُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُمْ بِمَوْتِهِ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَعَفَوْهُمْ لَا شَيْءَ، وَلَا يَلْزَمُهُمْ، وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ لَهُمْ، أَوْ الْعَافِي بَعْدَ مَوْتِ الْمَقْتُولِ، وَكَذَلِكَ الْقَوَدُ وَاجِبٌ لَهُمْ أَيْضًا - وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَمَا نَرَاهُ إلَّا قَوْلَ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ أَيْضًا، فَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا أَنْ يُسْقِطُوا عَفْوَ الْوَرَثَةِ قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لَهُمْ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ - وَهُمْ أَهْلُ ذَلِكَ وَمُسْتَحِقُّوهُ بِلَا خِلَافٍ - ثُمَّ يُجِيزُونَ عَفْوَ الْمَقْتُولِ فِي شَيْءٍ لَمْ يَجِبْ لَهُ قَطُّ فِي حَيَاتِهِ - وَهِيَ الدِّيَةُ وَالْقَوَدُ - وَلَا يَجِبُ لَهُ أَيْضًا بَعْدَ وَفَاتِهِ - فَهَذَا مِقْدَارُ نَظَرِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ جُرْحٌ، أَوْ قَطْعٌ، أَوْ كَسْرٌ، فَعَفَا عَنْهُ فَقَطْ، أَوْ عَنْهُ وَعَمَّا يَحْدُثُ عَنْهُ، فَعَفَوْهُ عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَا لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ.

وَأَمَّا عَفَوْهُ عَمَّا جُنِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ لَهُ لَازِمٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لَهُ الْقَوَدُ فِي الْكَسْرِ، أَوْ الْمُفَادَاةُ فِي الْجِرَاحَةِ، فَإِنْ عَفَا فَإِنَّمَا عَفَا عَنْ حَقِّهِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ بَعْدُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>